طبيعة الجماعات الإرهابية في ادلب

السبت 30 مايو 2020 - 16:51
https://arabic.iswnews.com/?p=8691

كانت محافظة ادلب دائماً مكان صراع واشتباك الجماعات المسلحة بعد احتلال أغلب مساحتها في عام 2015م من قبل التحالف الذي يُدعى بجيش الفتح. ومع مرور الوقت وبالتزامن مع تحرير مناطق مختلفة من سوريا وعدم استسلام الجماعات الإرهابية المسلحة الأخرة تحولت هذه المحافظة إلى مركز للجماعات الإرهابية وقد ذهبت الجماعات المسلحة من مختلف أرجاء سوريا إلى […]

كانت محافظة ادلب دائماً مكان صراع واشتباك الجماعات المسلحة بعد احتلال أغلب مساحتها في عام 2015م من قبل التحالف الذي يُدعى بجيش الفتح. ومع مرور الوقت وبالتزامن مع تحرير مناطق مختلفة من سوريا وعدم استسلام الجماعات الإرهابية المسلحة الأخرة تحولت هذه المحافظة إلى مركز للجماعات الإرهابية وقد ذهبت الجماعات المسلحة من مختلف أرجاء سوريا إلى هذه المحافظة وبسبب أن طبيعة هذه الجماعات كانت متنوعة من حيث طبيعتها وهويتها وارتباطها الخارجي فقد كانت ادلب معسكراً للجماعات الإرهابية.

وقد كان الاشتباكات والصراعات بين الجماعات الإرهابية متقطعة ومتفرقة حتى قبل تحرير المدن الاستراتيجية في حلب وتطبيق بنود مباحثات أستانة ومشاركة بعض هذه الجماعات المسلحة في المفاوضات وعلى الرغم من أن هذه المحافظة محتلة من قبل التحالف الذي يُدعى جيش الفتح والذي يتكون من ثمان مجموعات إرهابية غير متجانسة بما في ذلك جبهة النصرة وحركة أحرار الشام ولكن هذه الجماعات لم تدخل في صراع مسلح وجاد مع بعضها البعض حتى بداية مباحثات أستانة. ولكن بالتزامن مع بدأ مباحثات أستانة في عام 2016م ومشاركة ممثلين عن بعض الجماعات المسلحة في هذه المباحثات والتي يغلب عليهم الطابع الإخواني ومدعومين من تركيا، هاجمت جماعة فتح الشام (النصرة سابقاً) مقرات المجموعات المشاركة في هذه المباحثات ومن خلال سيطرتها على مقرات هذه الجماعات سيطرت على أجزاء واسعة من محافظة ادلب.

وفي الواقع فإن جماعة فتح الشام الإرهابية قامت بهجمات هجومية على مواقع ومقرات المجموعات المرتبطة بتركيا والذين شاركوا بمباحثات أستانة والرسالة التي تم نقلها إليهم هي أن اللاعب الرئيسي في التطورات بمحافظة ادلب هي هذه المجموعة والجماعات المرتبطة بتركيا لايمكنهم أن يضعوا ممثلي جماعات المعارضة المسلحة في هذه المباحثات وتنفيذ أي إجراء يتعلق بمستقبل ومصير هذه الجماعات بدون التنسيق والتركيز مع هذه المجموعة.

وفي أعقاب الهجمات الهجومية لجماعة فتح الشام على مواقع الجماعات المشاركة في المباحثات التحق عدد كبير من الجماعات العسكرية في ادلب بفتح الشام بما في ذلك الجماعات المذكورة مثل جبهة أنصار الدين وجيش السنة وحتى عدد كبير من قوات وقادة أحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي وشكلوا جماعة تحرير الشام.
ومن ناحية أخرى فإن الجماعات العسكرية المشاركة في مباحثات أستانة اتخذوا خطوة نحو إعطاء البيعة من جديد لحركة أحرار الشام والتي تعتبر أقوى الجماعات العسكرية التي تُنسب للإخوان لمواجهة تحرير الشام ووقفوا لجانبها وسعوا من خلال تحالف وتكون جبهة متحدة لمواجهة الهجمات الهجومية لتحرير الشام. وفي الحقيقة يعد تشكيل جبهة جديدة بهدف تكوين قوة ردع نوعاً ما أمام الهجمات المباغتة لهذه الجماعة.

لذلك يمكن القول أن بداية مباحثات أستانة كانت مصدر تشكيل معسكرين في الجبهة العسكرية لإدلب؛ معسكر بقيادة هيئة تحرير الشام ومعسكر آخر بقيادة حركة أحرار الشام؛ المعسكر الأول نهجه سلفي – تكفيري والمعسكر الثاني يحمل لواء حركة الإخوان المسلمين حيث يرتبط دعمها الفكري والأيديولوجي والمالي بتركيا.

وعلى الرغم من أن الجماعات المسلحة المرتبطة بتركيا اتخذت خطوة في سبيل تشكيل جبهة متحدة لمنع الهجمات الهجومية لهيئة تحرير الشام ولكن تشكيل هذه الجبهة لم يمنع أبداً الهجمات المتقطعة من وقت لآخر وكانت دائماً عرضة لهجمات هذه المجموعة. وبناءً على ذلك اتخذت تركيا خطوات في عام 2018م لتشكيل مجموعة جديدة تُدعى جبهة التحرير الوطنية من أجل خلق الوحدة والتضامن بين الجماعات المنتسبة للإخوان في سوريا تشمل 11 جماعة مسلحة بما في ذلك حركة نور الدين الزنكي وسعت بأن تكون هذه الجماعات إلى جانب بعضها ضمن تحالف جديد بما في ذلك فيلق الشام وصقور الشام وجيش الأحرار وجيش ادلب الحر وجبهة تحرير سوريا والجماعات المنتسبة للجيش الحر.

وقد تشكلت هذه الجبهة قبل توقيع اتفاقية سوتشي في عام 2018م بين رؤساء تركيا وروسيا وفي الواقع كان هنالك مخاوف بشأن ردود الفعل الغير متوقعة لجماعة هيئة تحرير الشام بالنسبة لتوقيع هذه الاتفاقية وبناءً على ذلك فإن أحد أسباب تشكيل جبهة التحرير الوطنية يمكن تحليله وقياسه بهذا السياق.

وفي أعقاب توقيع اتفاقية سوتشي ونشر بنود الاتفاقية والتي تنص على فتح الطريقين المعروفين ب إم4 و إم5 وكذلك تشكيل مناطق منزوعة السلاح قامت الجماعات الإرهابية المسلحة والمتطرفة في ادلب بخطوة باتجاه تشكيل غرفة عمليات مشتركة تُدعى “وحرض المؤمنين”.
وقد تشكّلت غرفة العمليات الجديدة بمشاركة مجموعات مثل حراس الدين وأنصار الاسلام بهدف معارضة اتفاقية سوتشي. وعلى الرغم من أن غرفة العمليات الجديدة لم تشارك بها هيئة تحرير الشام ولكن هنالك احتمال كبير بأن غرفة العمليات الجديدة تُدار من خلف الستار من قبل تحرير الشام.

وبالإضافة لذلك تعرضت حركة نور الدين الزنكي والتي انضمت سابقاً لجبهة التحرير الوطنية لضغوط وهجمات جماعة تحرير الشام في أعقاب اتهام عناصر هذه الحركة بقتل خمسة من عناصر تحرير الشام. وقامت حركة نور الدين الزنكي في الوهلة الأولى بنفي هذا الاتهام واعتبرت أن مقتل عناصر تحرير الشام ناتج عن صراع واشتباكات قبلية ومحلية ولكن مع ازدياد حدّة الضغوطات والهجمات من قبل النصرة على أطراف دارة عزة أُجبرت حركة نور الدين الزنكي على التفاوض مع تحرير الشام؛ واتفق الطرفان في هذا الاتفاق على أنه خلال 24 ساعة يجب تسليم المتهمين بالحادث. وسلّمت حركة الزنكي ثلاثة أشخاص من أصل خمسة متهمين وأعلنت بأنها ستسلم الاثنان الباقيان بعد اعتقالهما.

وبعد انتهاء المهلة المحددة وعدم تسليم العناصر المتهة بدأت تحرير الشام هجوماً واسعاً ومباغتاً وغير متوقع على الزنكي واستطاعت السيطرة على المناطق التي كان يسيطر عليها الزنكي في غربي حلب في منطقتي دارة عزة وجبل الشيخ بركات بعد أربعة أيام من الاشتباكات.

ويظهر الهجوم الغير متوقع لتحرير الشام وقدرته على هزيمة الزنكي خلال فترة زمنية قصيرة إلى وجود خطة وبرنامج مسبق من قبل قادة تحرير الشام والذين تمكنوا من خلال إرسال عناصرهم بشكل كبير إلى المنطقة وكذلك نقل المعدات الثقيلة إلى إلحاق الهزيمة بحركة الزنكي.

وبالنظر إلى أن حركة الزنكي فقدت معظم قواتها البشرية ومعداتها العسكرية وقواعدها خلال هذه الاشتباكات فقد أعلنت هذه الحركة والمعروفة كأبرز جماعة مسلحة في ريف حلب الغربي عن تفككها وحلها وذهب باقي عناصرها بعد خروجهم من المنطقة باتجاه مدينة عفرين والمناطق التي تسيطر عليها جبهة التحرير الوطنية (التحرير).

ومن خلال هذا الهجوم تمكنت تحرير الشام من توسيع نطاق نفوذها في المحور الشمالي وأخذ المبادرة من الجماعات المعارضة المرتبطة بتركيا في تنفيذ اتفاقية سوتشي وإخراجهم منها بما في ذلك إنشاء وتحديد خطوط مدنية (وكان ريف حلب الغربي جزءً من هذه المناطق) وكذلك إنعاش حركة النقل على الطريقين إم4 و إم5 (دمشق – حلب) و (حلب – اللاذقية) وتولت القيادة. وكما يُفسر استمرار سير هجمات تحرير الشام في مناطق معرة النعمان في ريف ادلب الجنوبي في هذا الصدد.

وبالإضافة إلى ذلك ساهم وجود حركة نور الدين الزنكي إلى جانب جبهة التحرير الوطنية (المرتبطة بتركيا) إلى تغيير التوازن لحد ما لصالح المجموعات المعارضة التركية ولكن مع تفكك هذه الحركة فقد تغير التوازن العسكري والميداني بشكل كبير لصالح تحرير الشام؛ وبالطبع على الرغم من أن الجغرافيا الواقعة تحت سيطرة تحرير الشام كانت أكبر بكثير من تلك التي لدى الجماعات المعارضة المرتبطة بتركيا ولكن المنطقة الجغرافية التي تخضع لنفوذ تحرير الشام في المنطقة الشمالية كانت محدودة سابقاً ولكنها توسعت بعد السيطرة على غرب الفرات أيضاً.

ومع ازدياد النطاق والنفوذ والتوسع الجغرافي لتحرير الشام (النصرة سابقاً) زادت شرعية النظام الحاكم في استخدام الخيار العسكري لتسوية قضية ادلب وارتفعت حدّة المطالب بشأن بدأ عملية عسكرية على هذه المحافظة.

وبعد أن نجح الجيش السوري وبدعم جوي روسي ومشاركة برية من قوات المقاومة في المرحلة الخامسة من عملية ادلب بتحرير الطريق الاستراتيجي دمشق-حلب والمعروف ب إم5 من يد الإرهابيين فإن الخطوة التالية هي التحرك لتحرير الطريق إم4 كخطوة تكميلية بعد تحرير الطريق إم5 وفي النهاية وبعد ارتفاع مستوى التماس واتصالات الأتراك بالمسؤولين الروس تم إنشاء هدنة أخرى في هذه المحافظة من أجل وقف إطلاق النار.

وبعد توقيع الاتفاق على وقف إطلاق النار وبدأ الدوريات التركية الروسية المشتركة في ادلب ومنع المجموعات الإرهابية لهذه الدوريات زادت تركيا من معداتها وأرسلت الكثير من قواتها والميليشيات المرتبطة بها لجنوب ادلب بذريعة تعزيز وقف إطلاق النار وبالطبع بحجة كبح محاولات منع الدوريات على طول الطريق إم4 أدخلت عدداً كبيراً من قواتها لهذه المحافظة ووفقاً للمعهد الأمريكي لدراسات الحرب فقد أدخلت تركيا خلال شهري شباط وآذار ما يقارب العشرين ألف مقاتل من الجيش التركي والميليشيات العربية المرتبطة بها (الذين شاركوا في عمليات غصن الزيتون ونبع السلام). وبالإضافة لذلك ذكر هذا المعهد بأنه تم إنشاء أكثر من خمسين قاعدة عسكرية ونقل ما يقارب السبعة آلاف من المعدات العسكرية الثقيلة إلى محافظة ادلب ونصبت منظومة الدفاع الجوي MIM-23 Hawk في جنوب مدينة ادلب.

وجهود تركيا لزيادة تواجدها ونفوذها العسكري-الأمني في ادلب بغض النظر عن توفير منصة لدعم وتعزيز الميليشيات والجماعات العسكرية المرتبطة بتركيا (ذات الهوية الإخوانية) وكذلك الجيش الوطني (SNA) وجبهة التحرير الوطنية فإن هذا يتيح لتركيا إنشاء وحدة عسكرية متكاملة وموحدة بمشاركة الجيش الوطني وجبهة التحرير الوطنية في محافظة ادلب بهدف مواجهة أي هجوم آخر من قبل الجيش السوري على هذه المحافظة في المستقبل. ومن الممكن في ضوء تشكيل وحدة عسكرية موحدة في محافظة ادلب تشكيل أرضية لخلاف طويل الأمد بين صفوف هيئة تحرير الشام والتحاق المجموعات التي ضمنها بالوحدة العسكرية الجديدة.

ومن ناحية أخرى فقد قامت جماعة تحرير الشام بالتزامن مع زيادة وتعزيز الوجود العسكري التركي والمجموعات المرتبطة بتركيا بتشكيل ألوية عسكرية جديدة وتغييرات على مستوى قادة الصف الأول والثاني. وتصب إجراءات تحرير الشام في السياق الاستعراضي أكثر من أي شيء واستعراض قوتها أمام هجمات الجيش السوري المستقبلية وكذلك لتوازن القوى وإبراز قدرتها أمام الجماعات العسكرية المرتبطة بتركيا والتي عززت من وجودها العسكري في المنطقة بالاعتماد على تركيا.

بشكل عام يجب القول بأن محافظة ادلب منذ احتلالها وحتى اليوم كانت مسرحاً للصراع بين الجماعات الإرهابية وهذه الاشتباكات والصراعات ناتج قبل أي شيء عن الخلافات بين الجماعات من حيث الهوية والارتباط الأجنبي ومن جانب آخر من ناحية إظهار القوة أمام باقي الجماعات الأخرى. وفي الواقع الخلاف بين الجماعات في الحوار وكذلك مساعي كل منها ليصبح اللاعب المؤثر والمهيمن في محافظة ادلب كان الأرضية لظهور هذه الخلافات والاشتباكات فيما بين هذه الجماعات وارتباطهم الخارجي بأحد الأطراف الإقليمية كان له دور أيضاً في هذا الأمر.        

شارك:
تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *