رأي: انقلاب داخل أحرار الشام!
أعلنت بعض الجماعات المرتبطة بمسلحي “أحرار الشام” أنها عزلت القائد الحالي لهذه المجموعة وحلت مجلس القيادة. ويبدو أن هذه التطورات داخل “أحرار الشام” حدثت في ذات الوقت الذي تقرّب فيه فصيل “حسن صوفان” من “تحرير الشام” وتجاهل استقلال هذه المجموعة، وهو صراع بين فصيلين داخل أحرار الشام والذي برز منذ السنوات الأولى لتأسيس هذه الجماعة بأشكال مختلفة.
حيث عزلت خمسة ألوية وكتائب لمسلحي “أحرار الشام”، يوم الثلاثاء 8 تشرين الثاني \ نوفمبر، قائد هذه المجموعة “عامر الشيخ” واستبدلته بـ”يوسف الحموي” الملقب بـ”أبو سليمان”.
وقد أعلنت هذه الألوية والكتائب الخمسة في بيان أن القيادة الحالية لأحرار الشام لم تكن ممثلة لهذه المجموعة ولا تعتبرها شرعية؛ لذلك، تم عزلها من القيادة وتم حل مجلس القيادة الحالي.
وجاء بيان الألوية والكتائب الخمسة التابعة لـ”أحرار الشام” بشأن عزل القيادة الحالية لأحرار الشام كالتالي:
الألوية والكتائب الموقعة على هذا البيان هي: “لواء الإيمان” (محافظة حماة)، “لواء الخطاب” (سهل الغاب)، القوات الخاصة في “لواء العاديات” (سهل الغاب)، “لواء الشام” (دمشق)، “كتيبة الحمزة” (إدلب).
كما طالبت هذه الألوية والكتائب، الكتائب والمجموعات الأخرى التابعة لأحرار الشام بالانضمام إليها من أجل إعادة أحرار الشام إلى مسارها الأصلي.
وبالتزامن مع هذه الحادثة، أعلن جزء آخر من ألوية وكتائب أحرار الشام منها “لواء عمر الفاروق” (إدلب)، “كتيبة أنصار الحق” (معرة النعمان)، “كتيبة أحمد عساف” (بنش) و “لواء فجر الإسلام” (كفرومة)، في بيان تعليق أنشطتهم في أحرار الشام بسبب السياسات الأحادية لقادة أحرار الشام وعدم التشاور مع الأعضاء الآخرين في هذه المجموعة.
بيان مجموعة أخرى من المجموعات المنفصلة عن أحرار الشام
هذا على الرغم من أنه قبل أيام قليلة من صدور هذه البيانات، كانت الخلافات الداخلية لأحرار الشام أكثر وضوحاً من ذي قبل. ومن أبرز نتائجها تبرّؤ القادة الحاليين من ستة زعماء سابقين في أحرار الشام، ثلاثة منهم كانوا قد تولوا قيادة أحرار الشام خلال السنوات السابقة، والثلاثة الآخرون يعتبرون من مؤسسي هذه الجماعة.
وهؤلاء الأشخاص هم: “جابر علي باشا” (قائد سابق لأحرار الشام)، “علي العمر” (وهو أيضاً كان قائداً لأحرار الشام في مرحلة ما من حياته المهنية)، “مهند المصري” الملقب بـ”أبو يحيى الحموي” والذي كان بعد مقتل قائد ومؤسس أحرار الشام “حسن عبود” الرجل الثاني الذي تولى قيادة أحرار الشام.
ويأتي هذا البيان من قبل أشخاص آخرين من الجيل الأول لأحرار الشام وأشخاص لهم مناصب مهمة في هذه الجماعة وعملوا مع “حسان عبود” مؤسس أحرار الشام مثل “محمد ربيع الصفدي” الملقب بـ”أبو موسى الكناكري” و “أبو حيدرة الرقة”، و “خالد أبو أنس” الملقب بـ”أبو أنس سراقب”.
وصدر بيان التبرؤ من القادة السابقين عن القائد الحالي “عامر الشيخ” ونائبه “أحمد الدالاتي”، وبحسب وسائل الإعلام، بتحريض من “حسن صوفان” أحد القيادات القديمة في أحرار الشام والذي تربطه علاقات وثيقة بـ”أبو محمد الجولاني”. وذلك على الرغم من التقارب في العلاقات مؤخراً بين أحرار الشام بقيادة “عامر الشيخ” وهيئة تحرير الشام، وبمشاركة هاتين الجماعتين في الهجوم على “الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني” بالريف الشمالي لحلب.
وقد تولى هؤلاء قيادة أحرار الشام بانقلاب على القائد السابق لأحرار الشام “جابر علي باشا”. وكانت القصة أن “أحرار الشام” في منتصف عام 2020 أثناء قيادة “جابر علي باشا” كانت على وشك التحالف مع “الجبهة الشامية” (الفيلق الثالث) حالياً، الأمر الذي أثار قلق “هيئة تحرير الشام” ونتيجة لذلك، لم يتقبل الجولاني في تشكيل مثل هذا التحالف الذي يمكن أن يصبح منافساً لهيئة تحرير الشام. والواقع أن “الجبهة الشامية” و “أحرار الشام” اللتين كان من المفترض أن يتحدا، تعتبران من أقدم فصائل المعارضة المسلحة وأكثرها خبرة، وأكبرها من حيث العدة والعتاد من “الجيش الوطني” و “الجبهة الوطنية للتحرير”، واندماج هاتين المجموعتين يتحدى هيمنة هيئة تحرير الشام التي لا منازع لها في إدلب والمناطق المحيطة بها. وأدى ذلك إلى انقلاب حسن صوفان المقرب من الجولاني في أحرار الشام في العام ذاته (2020)، واستلم الفصيل المقرب من تحرير الشام زمام الأمور في أحرار الشام.
ولكن الخلافات في أحرار الشام لا تقتصر على التحركات الأخيرة، وتعود هذه الخلافات إلى سنوات ماضية، أبرزها بعد مقتل القادة المؤسسين لأحرار الشام في 9 أيلول / سبتمبر 2014، في انفجار مشتبه به في أحد الأنفاق السرية.
وفي تشرين الثاني / نوفمبر 2016، علّق بعض أبرز قادة “أحرار الشام” وهم “هاشم الشيخ” و “أبو صالح طحان” و “أبو محمد الصادق” وعدد من قادة أحرار الشام، عضويتهم في مجلس الجماعة بسبب فشل مجلس الجماعة في انتخاب زعيم جديد لهذه الجماعة وفي الحقيقة كان هذا الصراع بين التيار المتطرف والتيار الأكثر اعتدالاً في أحرار الشام!
وبعد فترة اختارت جماعة أحرار الشام “علي العمر” قائداً لها حتى قام القادة المنفصلون لجماعة مكونة من 16 بتشكيل مجموعة تحمل اسم “جيش الأحرار” بقيادة الزعيم السابق للأحرار، “هشام الشيخ” الملقب بـ”أبو جابر”. ويعود هذا الانفصال إلى حقيقة أن زعيم الفصيل المتطرف “هشام الشيخ” لم يتبع خطوات المكتب السياسي للأحرار بقيادة “لبيب نحاس” فيما يتعلق بالانفتاح على الهيئة العليا للمفاوضات وإظهار نفسه على أنه تيار معتدل، لذلك انفصل “هشام الشيخ” و “أبو صالح طحان” (القائد العسكري السابق للأحرار) عن الأحرار في كانون الثاني \ يناير 2017 واندمجوا مع قواتهم في “جبهة فتح الشام” (جبهة النصرة) سابقاً.
وبعد بضعة أشهر اشتبكت هيئة تحرير الشام مع أحرار الشام واستولت على العديد من مواقع أحرار في أرياف إدلب وحماة وحلب، وفي تموز / يوليو 2017 ، استولت هيئة تحرير الشام على معبر باب الهوى من أحرار الشام بذريعة أن أحرار الشام سمحت للجيش التركي بعبور المعبر الحدودي. حيث استحوذت هيئة تحرير الشام على جميع مراكز أحرار الشام تقريباً، ولا سيما المناطق الرئيسية لهذا التنظيم في “سهل الغاب”، وبالتالي لم يبق شيء من أحرار الشام.
أمضت أحرار الشام فترة سلام خلال قيادة “علي باشا” من آب \ أغسطس 2018 إلى تشرين الأول \ أكتوبر 2020، ظاهرياً على الأقل، وذلك بسبب اشتباك مسلحي إدلب مع الجيش السوري والقوات الروسية. وفي تشرين الأول / أكتوبر 2020، تمرّد جزء من أحرار الشام بدعم من هيئة تحرير الشام ضد قيادة هذه الجماعة، وأدى ذلك في النهاية إلى عزل “جابر علي باشا” وتعيين “عامر الشيخ”. حيث يرى فصيل جابر علي باشا أن هذا التغيير جاء بضغط من حسن صوفان وتحرير الشام.
وفي خضم ذلك، يمكن القول إن ما يحدث الآن هو انقلاب للفصيل المعارض لتحرير الشام ضد الفصيل المقرب أو التابع لهيئة تحرير الشام في أحرار الشام.
وفي الحقيقة أن “لواء الإيمان”، هو اللواء الوحيد من الألوية المعترضة على القيادة المركزية للأحرار، ويشكل ربع عناصر أحرار الشام التي تضم أيضاً ثلث قوات أحرار الشام الخاصة.
وفي هذه الأثناء، يبدو أن التبعية المفرطة لأحرار الشام خلال العامين الماضيين مقارنة بتحرير الشام، والتي ظهرت بشكل أكبر في الهجوم المشترك لهاتين المجموعتين على الفيلق الثالث، أغضبت القادة السابقين لهذه الجماعة وتجاهل الاستقلال لهذه الجماعة من قبل هيكل العديد من الألوية والكتائب لم يُتقبّل وأدّى إلى الخلافات الحالية.
وحقيقة أن بعض الجماعات المنفصلة عن أحرار الشام كانت قد انضمت قبل ذلك إلى الفيلق الثالث، وقد هاجم أحرار الشام الحاليون مع تحرير الشام الفيلق الثالث، يمكنه أن يكون ذا مغزى ومعنى ويزيد من معارضة الجيل الأول من القيادات لهيئة تحرير الشام ولكن السؤال هو أنه رغم جهود هيئة تحرير الشام لبسط سيطرتها على إدلب والمناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين، ما هي نتائج التي ستعود على هذه المجموعات من خلال تجنيد مجموعة كبيرة من أحرار الشام مقارنة بسلطة تحرير الشام؟ ألن تزيد التحركات الأخيرة من التحديات التي تواجه المسلحين وخاصة هيئة تحرير الشام في إدلب ومحيطها؟
تعليق