رأي: إيران تشعر بقلق متزايد بشأن التهديدات على حدودها المشتركة مع أرمينيا

 ولي كالجي
المؤلف: ولي كالجي
الخميس 20 أكتوبر 2022 - 19:42
https://arabic.iswnews.com/?p=26572

تشترك إيران في أقصى جنوب القوقاز، في حدود بطول 750 كيلومتراً مع جمهورية أذربيجان ومنطقة نخجوان، حيث سقطت حوالي 138 كيلومتراً منها في أيدي القوات الأرمينية بعد نهاية حرب كاراباخ الأولى (1991-1994)، ولكن مرة أخرى بعد حرب كاراباخ الثانية في عام 2020، عادت هذه المناطق إلى السيادة الأذربيجانية. والآن، على الرغم من أن حدود إيران مع أرمينيا لا تتجاوز الـ40 كيلومتراً، إلا أنها تعتبر شريان حياة لثلاثة ملايين أرمني في بلد (يعاني جاف) غير ساحلي معزول من كلا الجانبين من قبل أذربيجان وتركيا.

حيث أنه قبل حرب كاراباخ الثانية، لم تكن طهران قلقة بشكل خاص بشأن حدودها مع أرمينيا. ولكن بعد حرب كاراباخ الثانية وآمال جمهورية أذربيجان في إنشاء ممر زنغزور بالقوة، بطريقة تعرض الـ40 كيلومتراً من الحدود بين إيران وأرمينيا للخطر أو تسدها، بات هذا الأمر القلق الرئيسي لإيران. في الواقع، ليس لدى إيران أي اعتراض على تنفيذ الفقرة التاسعة من اتفاقية كاراباخ لوقف إطلاق النار لعام 2020، والتي تشمل وصول أذربيجان إلى نخجوان. وخلال العقود الثلاثة الماضية، كان الاتصال بين باكو ومنطقة نخجوان يتم فقط من خلال إيران. في حين أن طهران لا تعارض هذا البند من الاتفاقية، إلا أنها تعارض بشدة تغيير الحدود الدولية في القوقاز، وإغلاق الحدود بين إيران وأرمينيا، واحتمال تجدد الصراع بين أرمينيا وأذربيجان.

لهذا السبب، فإن المناورات واسعة النطاق للجيش الإيراني والحرس الثوري الإسلامي على الحدود الشمالية الغربية لإيران في أيلول \ سبتمبر وتشرين الأول \ أكتوبر 2022، والتي لم يسبق لها مثيل خلال العقود الثلاثة الماضية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تظهر المستوى والعمق للقلق الإيراني من التطورات الأخيرة في القوقاز. وفي الواقع، أدى حدوث صراعات بين أرمينيا وأذربيجان، وتهديدات باكو المتكررة بفتح ممر زنغزور بالقوة العسكرية، ودعم تركيا المستمر لأذربيجان، وصمت روسيا وموقفها الغامض تجاه المنطقة، إلى زيادة مخاوف طهران. وعلى هامش قمة عملية أستانا السابعة للسلام في طهران، صرّح المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله خامنئي، في لقاء مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بوضوح أنه “إذا كانت هناك سياسة لإغلاق الحدود بين إيران وأرمينيا، فإن الجمهورية الإسلامية ستعارض ذلك . وذلك لأن هذه الحدود كانت طريق اتصال لآلاف السنين.”

وقد أدت الاشتباكات الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان في أواخر الصيف وأواخر أيلول \ سبتمبر 2022 إلى مقتل ما يقرب من 300 شخص وإصابة العشرات من الأشخاص من كلا الجانبين، مما أدى إلى تفاقم مخاوف إيران بشكل أكبر. حتى أن بعض المصادر الإخبارية أعلنت أن طهران نشرت 50 ألف جندي على الحدود مع أرمينيا. وفي الواقع، قام محمد باكبور، قائد القوات البرية في حرس الثورة الإسلامية، بزيارة الوحدات الموجودة على حدود أرمينيا وأذربيجان ونخجوان في 16 أيلول \ سبتمبر وأعلن أن مستوى استعداد القوات مرتفع. كما وأعلن اللواء محمد باقري، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، خلال العرض العسكري في ذكرى الحرب العراقية الإيرانية: “كما ذكرنا مرات عديدة، لن نتسامح مع تغيير حدود الدول في المنطقة، وننصح دولتي أذربيجان وأرمينيا بحل مشاكلهما من خلال الحوار. ولن نتسامح مع تغيير الحدود بالحرب ولن نجلس صامتين”.

وهناك عدة أسباب وراء مخاوف إيران من إغلاق حدودها مع أرمينيا. ففي حالة إغلاق هذه الحدود، ستكون حدود جميع المناطق الشمالية الغربية لإيران مع جمهورية أذربيجان ونخجوان، وسيقلل ذلك من عدد جيران إيران من 15 إلى 14. كما وستفقد إيران أيضاً أحد أهم طرق عبورها إلى القوقاز؛ وذلك لأن الطريق البري الذي يصل جورجيا عبر إيران وأرمينيا هو الجزء الرئيسي من ممر الخليج والبحر الأسود. حيث أن قرار الحكومة الإيرانية بفتح قنصلية في كابان، المركز الإداري لإقليم سيونيك الأرميني، وقرار الحكومة الأرمينية بفتح قنصلية في مدينة تبريز في شمال غرب إيران، يظهر بوضوح رغبة طهران في الحفاظ على طريق العبور هذا وتعزيزه. في الواقع، من حيث تنوع طرق العبور، تأمل إيران في الحفاظ على ممر إيران – أرمينيا – جورجيا الموازي للممر الشمالي الجنوبي (إيران – أذربيجان – روسيا).

وبالإضافة إلى ذلك، فيما يتعلق بالموارد المائية في حوض نهر آراس، تعتبر تركيا وأرمينيا دولتين “أعلى النهر”، وتعتبر إيران وأذربيجان دولتين “أسفل النهر”. لذلك، في حال استولت باكو على الجزء الجنوبي من مقاطعة سيونيك على طول ممر زنغزور، ستصبح أذربيجان دولة “أعلى النهر”، وستصبح إيران الدولة “أسفل النهر” الوحيدة التي تتمتع بسيطرة محدودة على موارد المياه.

وبمعنى أوسع، لدى إيران أيضاً قلق أعمق بشأن التغيرات الجيوسياسية وتوازن القوى في منطقة القوقاز. وفي هذا السياق، تعتبر طهران أن التغيرات الجيوسياسية وميزان القوى في منطقة القوقاز يتماشى مع مصالح تركيا وإسرائيل وأمريكا وحلف شمال الأطلسي (الناتو). ومن هذا المنظور، لا ترى إيران، على عكس روسيا وغيرها، التوترات في جنوب القوقاز مجرد “صراع حدودي” بين يريفان وباكو. وفي الواقع، يوفر افتتاح ممر زنغزور وصولاً عسكرياً مباشراً لتركيا كعضو في الناتو، في منطقة القوقاز.

في الواقع، يعتقد عدد كبير من النخب والخبراء الإيرانيين أن تأكيد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف على على “وحدة جغرافية للعالم التركي” عبر ممر زنغزور وتوسيع الوجود التركي في جنوب القوقاز سيعزز القومية التركية في المنطقة. وهذا الأمر يمكن أن يثير المشاعر العرقية والانفصالية في المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، وبسبب العلاقات الوثيقة بين أذربيجان وإسرائيل، تشعر طهران بالقلق من أنه في حال استولت باكو على الجزء الجنوبي من مقاطعة سيونيك، فسوف يتم تعزيز وجود المخابرات والجواسيس والأمن الإسرائيلي  في المناطق الشمالية الغربية من إيران.

وفي المحصلة، على الرغم من أن حدود إيران مع أرمينيا هي الأقصر بين الدول الـ15 المجاورة لإيران، إلا أن هذه الحدود التي يبلغ طولها 40 كيلومتراً لها أهمية استراتيجية بالنسبة لطهران. وعلى الرغم من أن السلطات الأذربيجانية قد صرحت مراراً وتكراراً أنه لا يوجد تهديد حقيقي للحدود الإيرانية الأرمينية، ولكن ردود فعل طهران خلال العامين الماضيين وبعد حرب كاراباخ الثانية تظهر بوضوح أن إيران قلقة للغاية بشأن إنشاء ممر زنغزور بالقوة؛ خاصة إذا كانت هذه القضية تشكل خطراً على الحدود المهمة جداً لإيران مع أرمينيا.

ومن ناحية أخرى، يبدو أن التطورات الدبلوماسية الجديدة خلال الشهرين الماضيين لم تخفف من مخاوف طهران. حيث أنه عُقد اجتماع رباعي لزعماء أرمينيا وأذربيجان مع رؤساء فرنسا والمجلس الأوروبي في براغ، وكذلك اجتماع تاريخي لرئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ومع ذلك، تم التأكيد بوضوح على معارضة إيران لتغيير الحدود الدولية في القوقاز خلال لقاء الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وباشينيان على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة وخلال لقاء رئيسي وعلييف في أستانا بكازاخستان.
وكما أعلن اللواء محمد باكبور قائد القوات البرية في حرس الثورة الإسلامية: “ستقام المناورة الكبيرة ” القدرة” للقوات البرية للحرس الثوري الإسلامي على الحدود الشمالية بمنطقة آراس”. حيث يُظهر قرار طهران بإجراء هذه التدريبات العسكرية بعد عام من مناورة عسكرية واسعة النطاق بالقرب من حدود أذربيجان بوضوح أن “إيران تشعر بقلق متزايد بشأن التهديدات على حدودها المشتركة مع أرمينيا”.

المصدر: مؤسسة جيمستاون

شارك:
تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *