سماء لم تعد آمنة.. ماذا يخفي الدفاع الجوي اليمني؟
ينتظر أن يشهد الميدان اليمني مزيداً من المنظومات الجديدة التي تتجاوز الفوارق التكنولوجية الواسعة واختلال موازين القوى العسكرية، وقد تحقّق معجزات ميدانية.
على الرغم من أن مجريات المعارك خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، قد كرست حقيقة أن تحقيق السيطرة الجوية خلال المعارك، يعتبر من أهم مقومات الوصول إلى نتائج ميدانية حاسمة لهذا الطرف أو ذلك، الا أن عدداً كبيراً من النزاعات العسكرية، منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى الآن، برهن أن من الممكن تقليل تأثير هذا التفوّق في الميدان القتالي، ومن الممكن تحييده بشكل تام في بعض الأحيان.
دروس من التاريخ
في مواجهات عسكرية سابقة، منها الحملة الجوية لحلف الناتو على يوغسلافيا في العام 1999، والتي استمرّت لمدة 78 يوماً، تمكّن الدفاع الجوي اليوغسلافي، رغم كثافة الحملة الجوية للناتو، والتي تكونت من أكثر من ألف طائرة متنوعة، من تحقيق نتائج جيدة، تمثلت في إسقاط 3 طائرات مقاتلة وقاذفة، على رأسها القاذفة الاستراتيجية الشبحية “أف-117″، في حادثة تعد الوحيدة من نوعها لهذا النوع المتفوّق من القاذفات الاستراتيجية التي شكّلت لفترة طويلة مبعث فخر للصناعات الحربية الأميركية.
حرب فيتنام كانت مثالاً آخر على قدرة الدفاع الجوي على الحدّ من تأثير تفوق سلاح الجو المعادي في النتيجة النهائية للمعارك، فقد تمكَّنت الطائرات ووحدات الدفاع الجوي الفيتنامية الشمالية، بمساعدة الاتحاد السوفياتي وكوبا، من إسقاط أكثر من 3 آلاف مقاتلة وقاذفة أميركية، و5 آلاف مروحية، و500 طائرة من دون طيار، وهو ما ساهم، ضمن أسباب أخرى عديدة، في تحقيق فيتنام الشمالية أهدافها الميدانية، رغم تنفيذ سلاح الجو الأميركي أكثر من 5 ملايين طلعة جوية شملت فيتنام ولاوس وكمبوديا.
اليمن.. درس الماضي يُعاد إحياؤه
شكّل الدفاع الجوي اليمني مثالاً معاصراً لهذه الدروس، وخصوصاً أن إهمال القيادات اليمنية السابقة لهذا الجانب المهم في تسليح الجيش اليمني، وكذا تدمير مقاتلات التحالف السعودي لقسم كبير من منظومات الدفاع الجوي اليمنية في غاراتها المتتالية على مطار صنعاء وكتائب أخرى، أدّيا إلى تضاعف مستوى التحديات التي تواجه اللجان الشعبية ووحدات الجيش اليمني.
هذا الواقع دفع “أنصار الله” إلى مراجعة دروس الماضي، ومحاولة تطبيق تجارب بعض الجيوش في الاستفادة من صواريخ الاشتباك الجوي الخاصة بالطائرات المقاتلة، وتحويلها إلى صواريخ للدفاع الجوي، بدلاً من أدوارها الأساسية كصواريخ جو – جو.
هذه المحاولات مُستوحاة من تجارب سابقة قام بها الجيش الصربي خلال تسعينيات القرن الماضي، وحاولت تطبيقها جيوش دول أخرى، مثل الأرجنتين والعراق وليبيا، وذلك بإجراء تعديلات على الصواريخ القصيرة والمتوسّطة المدى الخاصة بالاشتباك الجوّي، لتكون قابلة للإطلاق من منصّات أرضية ذاتيّة الحركة، بعد تزويدها بالطاقة اللازمة للإطلاق من مصدر كهربائي منفصل، ومن ثم استخدام البواحث الحرارية الخاصة بهذه الصواريخ، لتتبّع مصادر الحرارة الناتجة من الطائرات المعادية، ومن ثم إسقاطها أو إلحاق أضرار ببدنها، عن طريق انفجار الرأس الحربي التقاربي الموجود في كل صاروخ من هذه الصواريخ.
بدأت محاولات جماعة “أنصار الله” في هذا المجال منذ العام 2015، وظل اعتمادها في الدفاع الجوي منصباً بشكل أساسي على الصواريخ الروسية المحمولة على الكتف “سام7″، التي تم بها إسقاط أول طائرة استطلاع مسيّرة للتحالف العربي في حزيران/يونيو 2015، وقبلها إسقاط أول مروحية للتحالف من نوع “أباتشي” في أيار/مايو من العام نفسه.
شهد العام 2017 التجارب الأولى على منظومتين جديدتين، الأولى كانت صواريخ منظومة الدفاع الجوي متوسطة المدى “سام 6” السوفياتية الصنع، والتي امتلكها الجيش اليمني سابقاً، وقامت جماعة “أنصار الله” بتعديلها ليتم إطلاقها من منصات ثابتة ومدولبة، عوضاً عن منصاتها المجنزرة ذاتية الحركة.
أما المنظومة الثانية، فقد تم فيها تعديل صواريخ القتال الجوي الروسية الصنع “أر 73”. ويتم إطلاقها أيضاً من منصات ثابتة.
هذه التجارب أسفرت عن تدشين المنظومتين قتالياً بنجاح، الأولى تمت تسميتها “فاطر 1″، وهي تعد تطويراً وإعادة تأهيل محلية شاملة لصواريخ منظومة الدفاع الجوي متوسطة المدى (سام-6). يبلغ مداها الأقصى 24 كيلومتراً، وتستطيع استهداف الطائرات المعادية على ارتفاعات تصل إلى 14 كيلومتراً، وتبلغ زنة الرأس الحربي لصواريخ هذه المنظومة 60 كيلوغراماً.
يتم توجيه صواريخ هذه المنظومة بالتوجيه الراداري شبه النشط، عن طريق الرادار الخاص بمنظومة “سام-6”.
دخلت هذه المنظومة في الخدمة بشكل فعلي في تشرين الأول/أكتوبر 2017، وحقَّقت إسقاطها الأول في كانون الثاني/يناير 2018، بإسقاط مقاتلة تابعة لسلاح الجو السعودي من نوع “تورنيدو” في أجواء مديرية كتاف في محافظة صعدة.
وتتالت عقب ذلك عمليات الإسقاط، ومنها عملية إسقاط طائرة مسيَّرة أميركية الصنع من نوع “إم كيو 1” في أجواء منطقة بني مطر جنوب العاصمة اليمنية في أيار/مايو 2019، وطائرة مسيّرة أميركية أخرى من نوع “إم كيو 9” في آب/أغسطس من العام نفسه في أجواء محافظة ذمار.
تستخدم وحدات الجيش اليمني هذه المنظومة في الوقت الحالي كوسيلة للردع وتهديد النشاط الجوي للتحالف العربي، وخصوصاً أنها تعد المنظومة الأطول مدى ضمن ما يمتلكه الجيش حالياً من منظومات، إضافة إلى ما تبقى قيد الخدمة من منظومات الدفاع الجوي السوفياتية الصنع “سام 2″ و”سام3”.
وبالفعل، منذ أوائل العام الجاري، تم إجبار تشكيلات عديدة من المقاتلات التابعة للتحالف على إلغاء عملياتها في أجواء مأرب وصعدة عن طريق استخدام هذه المنظومة.
المنظومة الثانية هي “ثاقب 1″، وهي تطوير محلي لصواريخ الجو – جو الروسية “أر 73″، التي امتلك سلاح الجوي اليمني 150 صاروخاً منها، واستلمها في الفترة الممتدة بين الأعوام 2002 و2005، لتسليح مقاتلات “الميج 29”.
بعد التعديلات التي تمت عليها من جانب جماعة “أنصار الله”، تم تحويلها إلى صاروخ أرض – جو وتحسين التوجيه الحراري لها.
يبلغ مدى هذا الصاروخ المعدل 9 كيلومترات، بارتفاع يصل إلى 5 كيلومترات، وهو مزوّد برأس حربي تبلغ زنته 7 كيلوغرامات.
دخلت هذه المنظومة في الخدمة في أيلول/سبتمبر 2017، وسجَّلت إسقاطها الأول في الشهر التالي، حين تمكّنت من إسقاط مروحية قتالية تابعة لسلاح الجو الإماراتي من نوع “أباتشي” في أجواء مديرية خب والشعف في محافظة الجوف.
وفي الشهر نفسه، نجحت في إسقاط طائرة مسيّرة أميركية من نوع “أم كيو 9”. وقد تتالت عمليات إسقاط الطائرات المسيرة بصواريخ هذه المنظومة، ففي كانون الأول/ديسمبر 2018، أسقطت مسيّرة من نوع “سي أتش – 4” في أجواء محافظة صعدة، وفي نيسان/أبريل 2019، أسقطت مسيّرة من نوع “وينج لونج” أيضاً في أجواء صعدة.
منظومات جديدة تحت التجربة
يضاف إلى المنظومتين السابقتين، منظومات أخرى دخلت في الخدمة فعلياً، لكنها ما زالت خاضعة للتطوير والتحديث بناء على دروس المعارك. المنظومة الأولى هي “ثاقب 2″، وهي تطوير محلي لصواريخ الاشتباك الجوي الروسية “أر 27 تي”، والتي امتلك منها سلاح الجو اليمني 100 صاروخ في العام 2002.
جماعة “أنصار الله” قامت بتعديل الصاروخ، ليتم إطلاقه من منصات أرضية، مع تحسين قدرة الباحث الحراري الخاص بها. ويبلغ مداه بعد التعديل 15 كيلومتراً، على ارتفاعات تصل إلى 8 كيلومترات، وهو مزود برأس حربي كبير نسبياً، تصل زنته إلى 40 كيلوغراماً.
تمت أول عملية إطلاق لصواريخ هذه المنظومة في كانون الأول/ديسمبر 2016، وحققت الإصابة الأولى لها في كانون الثاني/يناير 2018، حين تمكّنت من إلحاق أضرار بمقاتلة تابعة للتحالف العربي من نوع “أف 15” في أجواء العاصمة اليمنية.
وقد كانت هذه العملية بالغة الأهمية، نظراً إلى استخدام منظومة التتبّع والاستشعار الحراري بعيد المدى “ألترا 8500″، وهي منظومة مخصّصة للعمل على متن المروحيات من أجل مهام المراقبة والدورية.
وقد حصلت القوات الجوّية اليمنية على 3 منظومات منها في تموز/يوليو 2009، ضمن مساعدات قدّمتها وكالة التعاون الأمني الدفاعي التابعة لوزارة الدفاع الأميركية للسلطات اليمنية.
وقد تكررت هذه العملية مرة أخرى في آذار/مارس 2018 في أجواء محافظة صعدة لاستهداف طائرة من النوع نفسه. وكذلك، تمكَّنت هذه المنظومة من إسقاط مقاتلة تابعة لسلاح الجو السعودي من نوع “تورنيدو” في أجواء محافظة الجوف في شباط/فبراير الماضي.
المنظومة الثانية هي “ثاقب 3″، وهي تطوير محلّي لصاروخ القتال الجوي الروسي متوسط المدى “أر 77″، الذي امتلك سلاح الجو اليمني منه 100 صاروخ في الفترة الممتدة بين العامين 2004 و2005، وهو يتميز بالتوجيه الراداري الذاتي، مع إمكانية تعديل التهديف عن طريق توجيه راداري خارجي إيجابي، وتبلغ زنة رأسه الحربي 22 كيلوغراماً، ويبلغ مداه بعد تعديله نحو 20 كيلومتراً.
دخلت هذه المنظومة في الخدمة بشكل فعلي في أواخر العام 2016، وتمت تجربتها في استهداف مقاتلات التحالف العربي من نوعي “أف 16″ و”أف 15”.
ومؤخراً، تم استخدامها في إسقاط عدة طائرات، من بينها طائرة مسيّرة تركية الصنع من نوع “كاريل” في أجواء مديرية الصليف في محافظة الحديدة في كانون الأول/ديسمبر الماضي، ومروحية مقاتلة من نوع “أباتشي” في أجواء عسير في الشهر نفسه، وطائرة مسيّرة صينية الصنع من نوع “أس أتش 4” في أجواء محافظة الجوف في كانون الثاني/ يناير الماضي، وأخيراً مقاتلة من نوع “تورنيدو”، تم إسقاطها الشهر الماضي في أجواء محافظة الجوف.
بشكل عام، نفّذ الدفاع الجوي اليمني حوالى 240 عملية استهداف وإسقاط لطائرات التحالف خلال العام الماضي، تم فيها إسقاط نحو 69 طائرة متنوعة من إجمالي 208 طائرات تم إسقاطها منذ بدء المعارك بين التحالف العربي وجماعة أنصار الله وحتى الآن.
الجماعة أعلنت أن العام الجاري هو “عام الدفاع الجوي”، وبالتالي ينتظر أن يشهد الميدان اليمني المزيد من المنظومات الجديدة التي تتجاوز الفوارق التكنولوجية الواسعة وانعدام الإمكانيات واختلال موازين القوى العسكرية، وقد تحقق معجزات ميدانية مشابهة لما حققته المنظومات الأربع السابق ذكرها، والتي كانت صواريخها حتى وقت قريب تقبع في مخازن مغلقة منذ سنوات، تغلّفها أغطية النسيان وأتربة الإهمال.
المیادین
تعليق