نفط لبنان بين المخاوف والأمل
يمكن اعتبار أن الخطوة التي أقدم عليها رئيس الجمهورية اللبنانية ميشيل عون ببدأ عمليات حفر أول بئر نفط لبناني في البحر المتوسط القرار الأكثر شجاعة خلال السنوات الأخيرة في مواجهة الغرب ومن أجل الاستقلال الاقتصادي للبنان، حيث أن الاقتصاد من أجل الاستقلالية طريق طويل ومليء بالمصاعب وذلك لأنه بالإضافة للفساد الداخلي وتهديدات الاحتلال الإسرائيلي باستهداف المنشآت النفطية اللبنانية يجعل من الصعب على عروس الشرق الأوسط العمل.
“يبدو أنه ليس لبنان فحسب من دخل معركة النفط والغاز بشكل علني في المنطقة بل كامل الدول في المنطقة. وخاصة مع قدوم حكومة ترامب الجشعة. وينطبق الأمر ذاته على لبنان والنزاعات حول الحدود البرية والبحرية ومناطقه الاقتصادية. وكذلك الأمر بالنسبة لسوريا فيما يخص موضوع مرتفعات الجولان والتي لم تعد مسألة أمن قومي أو كمورد مائي ولكنها جزء من حرب النفط.
ربما لم تكن مسألة تحرير جنوب لبنان للبعض مسألة ذات أهمية. ولكن اليوم معركة الآبار النفطية في البحر جنوب لبنان معركة كل الشعب.”
ويمكن القول بأن التصريحات التي أدلى بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله منذ سنتين في ذكرى استشهاد قادة المقاومة الاسلامية اللبنانية بالضاحية الجنوبية هي جزء من التوترات النفطية في اقصى غرب آسيا أي لبنان وفلسطين المحتلة. وكما هو الحال بالماضي فإن هذا النفط هو من يسبب التوتر وربما سبب لحرب شاملة في المستقبل ولكن هذه المرة مختلفة عن سابقاتها هذه المرة مثل حرب الخليج والعراق وأفغانستان نتائجها محددة سلفاً وهذه المرة فإن المهاجم خائف من الخوض في هذه الحرب ويبذل قصارى جهده لعدم التصادم مع الدولة المدافعة (لبنان). ولكن ماهي الحقيقة وكيف بدأت التوترات النفطية بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي؟
إسرائيل الطبل الفارغ
منذ سنوات وبالتزامن مع الشائعات حول عزم لبنان الجاد لإجراء مناقصة حول ميادين الغاز 4و 9 في سواحل المتوسط يأتي وزير الحرب السابق في الاحتلال الإسرائيلي ليبرمان ويدّعي ملكية الميدان الغازي رقم 9 وإجراء أي مناقصة يعتبر عمل استفزازي كما وصفه وحذّر شركات النفط الأجنبية من عقد أي صفقة مع لبنان.
حيث قوبل كلام ليبرمان برد حازم من المسؤولين اللبنانيين، وأكّد ميشيل عون الرئيس اللبناني على الجهود الدبلوماسية من أجل استعادة الحق المشروع للبنان في المجتمع الدولي والدفاع عن مصالح البلد بأي وسيلة. وكما تجاهل سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني الذي تربطه علاقة وثيقة مع أمريكا كلام ليبرمان وأكّد على الحق المشروع للبنان في استخراج النفط والغاز. وقال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري كما ندافع عن أرضنا سندافع عن مياهنا. حيث أنه لم يكن من المتوقع اتحاد المسؤولين اللبنانيين على موقف موحد ولكن انتهاك الاحتلال الإسرائيلي لهذا الأمر جعل المستحيل محققاً وحتى اقتراح وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون المبني على تقسيم البلوكات 8و9 بنسبة 40-60 لم يستطع تغيير الموقف اللبناني وسمع تيلرسون بشكل رسمي جواب اللبنانيين بالرفض. حيث نقل في غضون ساعات إلى قادة تل أبيب رسالة مفادها جواب المسؤولين اللبنانيين مع الرد الرسمي للأمين العام لحزب الله المبني على تدمير المنشآت النفطية للاحتلال الإسرائيلي وأن زمن البلطجة والتعدي على لبنان انتهى منذ زمن بعيد واليوم رد المقاومة أقسى من أي وقت مضى.
النفط اللبناني، مفتاح حل المشاكل الكبيرة
عندما نسمع بلبنان يتبادر لأذهاننا الأشياء الجميلة، من الطبيعة الخلابة إلى الأحياء الراقية والأوروبية ولكن عروس الشرق الأوسط تعاني من العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية تحت بشرتها المتلألئة وذلك لأن النفط في بلد مثل لبنان اقتصاده منهك بالديون والمساعدات الغربية والعربية وكذلك وجود رجال الأعمال ذوي النفوذ الدولي فإن الأمل يبقى حلماً. تشير التقديرات إلى أن هنالك مايقارب ال850 مليون برميل نفط و96 تريليون قدم مكعب من الغاز في الأراضي اللبنانية حيث أن عُشر عائدات هذه الكمية من النفط تستطيع أن تجعل من لبنان مستقل من الناحية الاقتصادية وفي حال أردنا أن نُبسّط هذه الاحصاءات فإن نصيب لبنان مستقبلاً يقارب ال300 مليار دولار من الثروة النفطية بالمتوسط وهذه الاحصاءات مبنية على تقارير غير مؤكّدة حيث تستطيع أن تصل في السنوات القادمة العائدات إلى 960 مليار دولار، وهذا يعني بأن لبنان يستطيع أن يقف على قدميه اقتصادياً في المستقبل وبدون الحاجة إلى الدول الغربية والعربية ولكن…
كل هذه الاحصاءات المذهلة والواعدة تواجه (شرطاً واحداً) وهو أن كل هذه الثروات تستطيع أن تبني لبنان بشرط أن يكون هنالك تكاتف وتماسك داخلي بين كافة المجموعات السياسية والاجتماعية اللبنانية والذي يبدو بالأمر الصعب جداً.
إن لبنان بالإضافة إلى ماذكرناه من جمال لم ينعم بأيام جيدة إلا مرات قليلة، حيث أن وجود الطوائف المختلفة الدينية والسياسية وارتباط أغلبها بأجندات لدول غربية وعربية أوصل لبنان لإنقسام سياسي على مستوى عالٍ وكان المشهد اللبناني الداخلي مسرحاً للصراعات، اختلاف وصل لحرب دموية في لحظة من اللحظات وللأسف اليوم فإن المشهد عبارة عن حرب باردة بين التيارات. منذ تنصيب ميشيل عون كرئيس للجمهورية ومنذ حوالي العام تم اتخاذ خطوات من أجل الوحدة الداخلية بين التيارات السياسية والاجتماعية الداخلية، حيث أكّد ميشيل عون قبل توليه الرئاسة وبعدها حول إجراء إصلاحات واسعة سياسية واجتماعية وتعزيز الاستقلال عن الدول الغربية وإذا أردنا أن نكون منصفين فقد بدأت الاصلاحات في الهيكل السياسي الداخلي للبنان بشكل تدريجي ونستطيع القول بأن قرار ميشيل عون بشأن إجراء مناقصات نفطية وغازية واستخراج هذه الثروات خطوة شجاعة في مواجهة الدول الغربية والعربية.
مشاركة إيران في المشهد النفطي والغازي للبنان، الفرص والتهديدات
لايمكن ذكر لبنان وتجاهل اسم الجمهورية الاسلامية الإيرانية، حيث أن اسم لبنان يرافقه دائماً مساعدات الجمهورية الاسلامية للمقاومة الاسلامية اللبنانية أمام المحتل الصهيوني. ولكن ليس هو بذات الحال في المشهد السياسي للبنان، حيث أن أغلب السياسيين اللبنانيين يمانعون مشاركة إيران في المجال الاقتصادي للبنان وذلك كون هؤلاء السياسيين يميلون للغرب والدول العربية وعلى الأخص السعودية وفي حين أن هذه الدول وعلى الأخص السعودية لم تُقدم على أي خطوة من أجل الارتقاء بالاقتصاد اللبناني. وعلى سبيل المثال فقد عانى لبنان ويعاني منذ سنوات مشاكل في توليد الكهرباء وقد أعلنت الجمهورية الاسلامية مراراً وتكراراً بأنها تستطيع حل مشكلة الكهرباء في لبنان خلال وقت قصير وذلك من خلال صفقة عادلة ولكن هذا الاقتراح تم تجاهله تماماً من قبل السياسيين اللبنانيين وفي الوقت ذاته لم تحرك الدول الغربية والعربية بأي حركة ولن تتحرك.
ولكن منذ تولي ميشيل عون رئاسة الجمهورية جرت تغييرات جذرية على المستوى العام وشهدنا سعي جاد وقوي للرئاسة اللبنانية ولكن هذه التغييرات الجادة والرئيسية إلى أي مدى ستنفعنا كل شيء مرهون بالنشاط الدبلوماسي الاقتصادي لوزارة الخارجية وسعي دبلوماسيينا الأعزاء.
الكلمة الأخيرة
إلى جانب الرائحة العطرة للجهاد والشهادة والجمال المنقطع النظير للبنان وكذلك شعب الجنوب والبقاع اللطفاء فإن لبنان يعاني من آلاف المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واستخراج النفط من الممكن أن يكون ورقة رابحة للبنانيين من أجل بناء دولة مستقلة لاتنتظر مساعدة من الدول العربية والغربية. ومن السابق لأوانه التحدث حول مشاركة الجمهورية الاسلامية في السوق النفطي اللبناني، رغم أنه من الممكن رسم مستقبل واضح لهذه المسألة. الفساد الاداري الواسع وكذلك بعض السياسيين المستبدين وبلطجة الصهاينة يجرون مستقبل لبنان النفطي إلى المصاعب وعلى الرغم من أن احتمال نشوب حرب ناقلات النفط في لبنان أمرغير مرجح ولكن الاحتلال الإسرائيلي يعلم قبل الجميع أنه في حال نشوب الحرب فإن الخاسر الأول والأخير في هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي.
تعليق