العراق؛ مشغول بالحرب المعرفية؛ ما العمل
إن ما يمر به العراق اليوم متجذر في تحول الأسس الفكرية الشعبية التي انخرطت منذ زمن طويل في حرب جديدة تهدف إلى تغيير قدرة الفهم للناس. الحرب المعرفية هي أهم النهج التي ينتهجها الغرب لتدمير محور المقاومة وهي الأقل كُلفة ولكن ماهي هذه الحرب وما هي طُرق مواجهتها؟
نشأت الأزمة في العراق و بعض الدول المشابهة لها بسبب النشاط الإعلامي للمحور البريطاني في ثقافة وسياسة دول الشرق الأوسط ويمكن مشاهدة النتائج القليلة لهذا التأثير ولكنّ التأثير الأسوء سيشمل الجميع في المستقبل.
في الحرب المعرفية يتم تغيير القدرة المعرفية للناس من خلال نشاط يُدعى إدارة الادراك ويقومون بقلب الحقيقة رأساً على عقب. وبالتالي تكون حركة الناس في اتجاه يعارض مصالحهم الخاصة و يُلبّي مصالح المحور الغربي. هذه العملية معروفة باسم إدارة الادراك أو الادراك الحسي.
إن ما يدور في أذهان أفراد المجتمع حول القضايا المهمة هو التصور أو الادراك والذي تعمل عليه قطاعات الثقافة و المؤسسات المخابراتية في الدول الغربية عن طريق برامج ثقافية و أيضاً وسائل الإعلام العالمية يسعون لإدارة الادراك للناس في كل دولة. وهذه الطريقة هي طريقة بريطانية ولشرحها تحتاج لبحث مستقل.
انظروا للحوادث من إطار خارجي؛
الاحتلال الأمريكي للعراق، العقوبات المميتة والبرنامج المُهين “النفط مقابل الغذاء” والذي قامت به أمريكا، إحياء التفرقة على مدى مائتي عام من قبل بريطانيا وإنشاء داعش بتخطيط إسرائيلي و أموال سعودية و إدارة أمريكية هي حقائق والتي نسيها الشعب العراقي وخاصة شيعة الجنوب. حتى أنهم نسوا النظام البعثي المعادي للشيعة.
وهم يتجاهلون نفوذ أمريكا في وزارات الاقتصاد العراقية وبالخصوص البنك المركزي وعلى العكس يقومون بإحراق القنصلية الإيرانية ويطلقون شعارات ضد الحشد الشعبي الذي وقف بوجه داعش و دافع عن الناس.ولكن كيف يكون هذا التحول ممكناً في ذاكرة أُمّة.
آلية الحرب المعرفية
للبحث عن الطبقات الداخلية لهذه الحرب لايجب البحث في شوارع النجف أو كربلاء أو بغداد بل يجب البحث في غرف التفكير الخاصة بالسياسيين الذين هم ضمن مدار بريطانيا. بريطانيا على عكس أمريكا لديها معرفة واسعة بالاسلام والشيعة كما لديها صلات ببعض القادة و رجال الدين الشيعة. سواءً قبل فترة صدام أو بعده. حتى قبل احتلال العراق وقبل زوال الاحتلال العثماني، انصبت بريطانيا على مطالعة الاسلام والمذهب الشيعي و تواصلت مع بعض رجال الدين الشيعة.اعتمد تصميم الدول العربية على هذا. نفوذ البريطانيين ظهر في قمع ثورة العشرين (الثورة ضد الانكليز 1920) وإنشاء حكومات مرتبطة بلندن بظاهر مخالف مثل صدام خلال القرن العشرين. تلقّت لندن صدمة عندما حرّم ميرزا الشيرازي التبغ وهذا كان سبباً حتى يبدأ البريطانيون ببناء رجال دين كاذبين أو حتى مذهب معين مثل البهائيين.
لقد مرّ قرنان من الزمن على الاستراتيجية البريطانية (فرّق تسد) وفي كل عقد يقومون بتحديث هذه الاستراتيجية ثم يخلقون أزمة جديدة.
البريطانيين على معرفة تامة بأن هنالك عنصرين عدم كفاءة الحكومة والدعايات الكاذبة يستطيعان أن يكونا محركين جيدين للمجتمع. من طرف يمنعون حكومة بغداد من إيصال الخدمات للشعب مما يسبب زيادة بالفقر ومن طرف آخر يعزون هذا الأمر بإظهار بعض الرموز البسيطة للثورة الاسلامية وإيران. قبل عام حاولت قناة BBC تصوير إيران كعدو للشعب العراقي.
على سبيل المثال حرب الثمانية سنوات والتي هي بالاصل نتائج تصميم بريطاني وتنفيذ النظام البعثي يخاطبون فكر الشباب العراقي ويصورون هذا الأمر على أن إيران هاجمت المظلوم صدام. ونتيجة ذلك يتم لفت انتباه الجمهور إلى التحليل المُلقى على أنّ الإيرانيين سفكوا الدماء العراقية خلال ثمان سنوات. أو انسب تدمير البنى التحتية التي دمرتها بريطانيا خلال حرب الكويت لإيران. هذه مجرد طريقة واحدة لإدارة تصورات الشعب العراقي.
غياب الفصائل الشيعية الرئيسية التي قاتلت صدام في حرب الثمان سنوات و بعدها الانتفاضة الشعبانية هذا كان السبب في أن الجيل الجديد العراقي ليس لديه أي تصور دقيق عن النظام البعثي و الوهابية والاحتلال البريطاني وعلى العكس تماماً لديه تصور والذي ألقي بذهنه ألا وهو أن إيران هي العدو وتريد الهيمنة. ويكون الهدف بالنهاية أن ما فعله صدام هو الصواب. دعونا نتذكر قام صدام بطرد العلماء والتجار الإيرانيين من العراق وخلال قمعه لثورة الشيعة عام 1991م هجم على منزل الراحل آية الله الخوئي وأكثر من ذلك حيث قام برمي الرصاص على حرم الامام علي (ع) و دخل بالدبابات بين الحرمين في كربلاء. هذه الصور تم محوها الآن بالكامل من ذاكرة الشعب العراقي. لذا فإن تذكر تلك الصور التي تكشف الدور البريطاني هو خطوة مهمة.
بعد مرور عشرين سنة على الاحتلال الأمريكي للعراق بدأت هذه الصور تتلاشى ولكن الذي يحدث هو الترويج على الرهاب الإيراني (إيرانفوبيا) وللأسف لم يتخذ أي تحرك ضده والأسوء من ذلك هو أن البعض باستخدام حيل الحرب المعرفية يكرر ذات الشيء في إيران ويبرز الأمر وكأنّ العراق أصبح تحت سيطرة إيران.
في الحقيقة الاقتصاد العراقي كله بيد أمريكا وهي التي تمنع حل المشكلات ونمو الإنتاج والاشتغال. خلال العقدين الماضيين منعت أمريكا بناء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية في جنوب العراق. وحتى بناء محطة لتوليد الكهرباء في النجف بشكل مجاني من قبل إيران قامت أمريكا بمنعه ولكن مثل هذه الأخبار لاتصل لآذان الشعب العراقي والإيراني. تستغل الحرب المعرفية إهمال الناس وقلة عمل محور المقاومة أفضل استغلال.
ما العمل؟
قد لاتملك إيران والعراق الأدوات الكافية لمواجهة الأمر بالمثل مع الغرب ولكن هنالك نقطة ضعف كبيرة في الحرب المعرفية وهي ارتباطها الوثيق ببريطانيا. يجب الاعتراف ببريطانيا على أنها أخطر الأنظمة ضد الإنسانية في العالم وليس على أنها صديق.
في الوقت الذي سوف تتلقى فيه بريطانيا ضربات وأضرار جسيمة من بلدان المنطقة سوف تتراجع بسرعة. توجيه الحرب المعرفية هو بلندن وليس بأمريكا أو السعودية. صحيح أن إسرائيل وأمريكا وآل سعود هم أعداء الاسلام والإنسانية ولكن كل افعالهم في العراق ولبنان وحتى حرب اليمن هي فقط وفقط نتاج تخطيط دقيق لبريطانيا.
الدولة الاستعمارية الوحيدة التي لديها معرفة جيدة بالشيعة ولديها تواصل كبير بين رجال الدين الشيعة في أي دولة هي بريطانيا. إن كان ارتباطاً علنياً مثل شيعة بريطانيا و فرقة الشيرازي أو كان مخفياً مثل الارتباط مع بعض المسؤولين العراقيين و….
إذا أراد شعب العراق، ولبنان، تركيا، والإمارات و… السلام والصداقة والازدهار هناك حل وحيد وسريع وهو ضرب المصالح الاقتصادية البريطانية في الشرق الأوسط و تدمير جميع الأطراف المرتبطة ببريطانيا.
يجب الانتباه أحد علائم الارتباط ببريطانيا هي الاقامة وعيش الأقارب و أبناء المسؤولين السياسيين أو ثقافة البلدان في بريطانيا. يتم تدريب الأشخاص في بريطانيا أو أحد مستعمراتها (كندا و استراليا) للعب دور في المستقبل كرهائن لآبائهم في العالم الاسلامي.
أي شخص ينظر إلى بريطانيا سوف يكون بطريقة ما بذات الحرب المعرفية البريطانية. ولإحباط الهجوم الغربي والانتصار عليه في الحرب المعرفية وبعد ذلك تحقيق الرخاء الاقتصادي والعدالة الاجتماعية هنالك حل وحيد لاغير ألا وهو مواجهة السياسات البريطانية بشكل جدي في العراق وكل الدول الاسلامية.
مُذكّرة: محمد بارسا نجفي
تعليق