أحد أسرى سجن جلبوع ينشر تفاصيل جديدة عن أيام تحريرهم
نشرت وسائل الإعلام الفلسطينية تفاصيل جديدة عن أسرى سجن جلبوع الذين تمكنوا من انتزاع حريتهم عبر حفر نفق من زنزانتهم الى خارج أسوار السجن قبل أشهر حيث تم إعادة إعتقالهم بعد أسبوع.
وأفاد موقع تطورات العالم الإسلام أن هيئة الأسرى الفلسطينية نشرت اليوم الخميس تفاصيل جديدة عن مرحلة ما بعد خروج الأسرى من سجن جلبوع وإليكم نص التفاصيل على لسان الأسير يعقوب قادري:
“أحببت أن أتكلم عن جزء بسيط مما حصل معنا وتحديداً عند خروجنا من عين النفق و بدء مشوار الحرية الذي استمر لمدة 5 أيام جبت به أرض الشمال عرضاً وطولاً، وكم كانت هذه الرحلة محفورة في ذاكرتي وأحببت اليوم أن أنقلها لكم ببعض التفاصيل التي مازلت أتذكرها، ما إن خرجت من عين النفق بعد خروج المجاهدين مناضل نفيعات ومحمد العارضة وكنت أنا الثالث وزكريا الرابع وأيهم الخامس ومحمود السادس، دهشت وصدمت عندما شاهدت نفسي أقف خارج السجن بلا قيود ودون أن أسمع أصوات غليظة تنادي ” عدد..عدد” والأبراج من خلفي خالية من السجانين ومن كاميراتهم ومن كلابهم البوليسية ومن تفتيشاتهم الليلية والنهارية.
كنت في حالة ما بين الصاحي والنائم وقلت في نفسي:” هل أنا حر؟ أم أنني أحلم؟ لا يا يعقوب.. أسأل وأجاوب نفسي..لا يا يعقوب أنت حر بالحقيقة، تارة أبكي وتارة أضحك وتارة أسجد وتارة أشكر الله على هذه المكرمة، ناولني محمد العارضة قارورة ماء وشربت منها القليل وبدأت بإزالة الأكياس البلاستيكية الموجودة على رأسي وقدماي وأنا أنظر إلى السماء دون أسلاك أو سقف، أشاهد النجوم مباشرة وإذ بزكريا الزبيدي يضع نفسه بجانبي ويطلب مني قارورة الماء فناولته إياها وهو كان في قمة سعادته، وبدأ باقي الشباب بالخروج حتى آخرهم.
على الفور توجهنا لقطع شارع بيسان الملتصق بسجني الجلبوع وشطة ودخلنا إلى قطعة أرض مزروعة بالقطن وهي بمسافة عشرات الكيلومترات قطعناها نهرول، نضحك، نتسامر ونقول لقد فعلناها أخيراً، حيث ما أردناه بعد عام كامل ليس بفضلنا بل هو بفضل الله عز وجل، ثم واصلنا المسير حتى وصلنا إلى بيارة بوملي تبعد حوالي 15 كيلو عن سجن جلبوع، هناك قمنا بتغيير ملابسنا وتناولنا أول طعام خارجي وهو حبات البوملي من هذه البيارة وناولت زكريا وأيهم قداحة كانت معي فقاموا بإشعال سجائرهم لأول مرة في الهواء الطلق، ثم واصلنا المسير وسرنا بين البيارات والحقول والبساتين حتى وصلنا إلى قرية الناعورة وهناك استرحنا قليلاً في مسجد القرية وكان قد حان أذان الفجر فصلينا في أحد أروقته، شربنا الماء البارد وقمنا بغسل ملابسنا .
ومن هناك تفرقنا كل اثنين مع بعضهما البعض فكنت رفيق محمود العارضة هكذا كنا قد اتفقنا سابقاً وخرجنا أنا ومحمود إلى التلال والجبال القريبة من الناعورة ونحن متعبون لشدة الساعات التي قطعناها ولكننا صعدنا إلى هذا الجبل وسرنا عدة كيلومترات، وأثناء سيرنا دخلنا إلى أحد الأحراش حيث تواجدت به مزرعة أبقار كبيرة والمضحك أن محمود العارضة رمى السلام على تلك الأبقار وقال ” السلام عليك أيتها الأبقار، نحن أصدقاء أنا ويعقوب ولسنا أعداء، لا تحاولين إيذائنا ولن نؤذيكن أبداً فأمنت أنا على حديثه وضحكت وقلت لهن :”صدقن ما يقول فنحن أصدقاء ولسنا أعداء ” فبدأت الابقار بفسح الطريق لنا وسرنا قرابة الـ 300-400 م وإذ بنا نتفاجأ بأننا بالقرب من معسكر إسرائيلي يتواجد به عشرات الجنود الإسرائيليين فقلت لمحمود ” هنا سوف نضع رحالنا لأن الاحتلال لن يصدق بأننا سنجرؤ على الاقتراب من معسكراتهم وبالفعل دخلنا تحت إحدى الأشجار الكبيرة القريبة من المعسكر وبالقرب منها ساتر ترابي حوالي 3 أمتار فقمنا بوضع كمية كبيرة من القش الناشف وبعض الأغصان الناشفة على شكل مغارة تحت الشجرة ووضعنا حقائبنا تحت رؤوسنا.
بدأنا نتحدث عما جرى معنا حتى هذه اللحظة، وكنا قد اتفقنا أنا ومحمود بأن يقوم هو بمتابعة الأخبار باللغة العبرية وينقل لي ما يحصل وأنا أتابع الأخبار باللغة العربية وأنقل له ما أسمع لأن كل واحد منا كان له جهاز ترانستور أو راديو صغير في حقيبته وهذا ما تم وكنا سعيدين جداً ونحن نسمع كافة المحطات تتناقل هذا الحدث الكبير بكل اللغات والاحتلال يبحث عنا في كل مكان دون جدوى.
بقينا طيلة النهار حتى الليل وعندما دقت الساعة السابعة مساءاً قمنا بحزم أغراضنا وأمتعتنا وقررنا المسير، سرنا ليلة كاملة حتى وصلنا إلى قرية سولم، مررنا بالقرب منها شربنا الماء وهناك أكلنا الصبّار لأول مرة وواصلنا المسير دون أن ندخل إليها حتى مررنا بمستوطنة العفولة الصهيونية المقامة على أراضينا ومن جرأتنا أننا دخلنا إلى الحديقة الخلفية لأحد المنازل دون علم أهله وشربنا الماء وتناولنا بعض من حبات الليمون وبعض من حبات الرمان المتواجدة في حديقتهم الخلفية وخرجنا متوجهين إلى الجبل المجاور وكانت الساعة الثانية عشرة ليلاً، حيث قررنا المبيت قرب مستوطنة العفولة على بعد عشرات الأمتار من منازلها، نمنا هذه الليلة هناك، وفي الصباح قررنا البقاء حتى المساء فكنا نصلي تارة جماعة وتارة فرادى هناك
وعندما سطع الضوء صباحاً شاهدت شجرة فسألت محمود عنها فضحك وقال هذه شجرة الزعرور الفلسطينية وأكلنا منها حتى شبعنا وكانت بطعم لذيذ جداً وكان بالقرب منها أيضاً شجرة السماق الفلسطيني، أكلت القليل حتى أتذوق الطعم فقط، بقينا نهاراً كاملاً حتى قرابة الساعة السابعة مساءاً وواصلنا المسير ليلاً وإذ بنا نحط رحالنا بالقرب من قرية إكسال هناك حصل جدال بيني وبين محمود أهي قرية عربية أم إسرائيلية وكان ترجيحي أنها قرية يهودية لأنني شاهدت على مدخلها عمارة كبيرة جداً ولم يكن بعلمي أنني مكثت قرابة ال 18 عاماً بالسجن وأن الحياة تغيرت تغيراً كاملاً، نمنا هذه الليلة بالقرب من قرية إكسال وتفاجئنا عند الساعة الرابعة والنصف بأن عدة مساجد تصدح بالأذان فضحك محمود وقال لي ” ألم أقل لك أنها قرية عربية ؟”
فقلت له : يا أخي هذا ما حصل.. في الصباح قام محمود لقضاء حاجته وإذا به يضحك وينادي علي : يا يعقوب.. يا يعقوب .. تعال وانظر، وإذا بعش حمام بري وبه بيضة فقال هذا حمامنا الفلسطيني الأصلي، أمسكنا بالبيضة وقمنا بتقبيلها و إرجاعها إلى مكانها وعدنا إلى مخبأنا حتى الساعة الثامنة مساءاً، وبدأنا المسير ليلاً باتجاه القرية وما إن وصلنا أطرافها وإذا بكميات كبيرة من الصبّار مزروعة على أطراف أحد شوارعها الفرعية، أكلت عدة حبات ما بين الـ 5-6 أكواز من الصبّار ومحمود على ما أذكر تناول حوالي 12 كوزاً وقال صدقني لم أشبع لكن لا أريد الإكثار فضحكت بأعلى صوتي : أنت أكلت 12 كوز من الصبّار ولم تشبع فماذا لو أكلت أكثر؟!
شربنا القليل من الماء وتوجهنا إلى القرية وقبل وصولنا إليها بعدة أمتار بدلنا ملابسنا وقمنا بلباس شورتات قصيرة وشباحات وطواقي على الرأس ووضعنا حقائبنا تحت إحدى أشجار الزيتون ودخلنا إلى القرية. هناك طلبنا الماء من أحد المارة من قرب منزله فناولنا عدة زجاجات صغيرة من الماء المعدنية وواصلنا الدخول إلى القرية، وأثناء سيرنا شاهدت صبياً صغيراً يبلغ 5-6 أعوام يسير مع أمه وعدة أطفال آخرين أكبر منه فناديت هذا الطفل حملته وقبلته عدة مرات وكأنني أحمل طائر الطنان الصغير الجميل
وسألته ما اسمك؟ فأجابني ( لا أريد ذكر الاسم)
وسألته هل تعرفني؟
فقال : لا
قلت له أنا ورفيقي الآن تبحث عنا كل الكرة الأرضية فتبسم الطفل دون أن يفهم المغزى والمعنى من قولي وعاد إلى أمه فسلمت على أمه من بعيد وواصلت طريقي أنا ومحمود
خرجنا من القرية، وأثناء خروجنا كان هناك عرس بالقرية وكان يحييه الزجال الفلسطيني المعروف موسى الحافظ وأنا من المعجبين به وبغنائه وبزجله الشعبي فطلبت من محمود التوقف بالقرب من القاعة التي كانت قريبة من الأحراش التي نمر بها حيث استمعت لمدة ساعة لهذا الزجل الذي أطربني وأسعدني.
ثم واصلنا المسير باتجاه مدينة الناصرة، وبالطريق مررنا على أحد المزارع وشاهدنا بعض أشجار التين والعنب حيث أكلنا منها وواصلنا الطريق ودخلنا إلى مزرعة أخرى وإذ بها الرمان الفلسطيني قد وضع رحاله وكأنه ينتظرنا من أجل أن نأكله، أكلنا ما شاء الله أن نأكل وحملنا بعض الحبات بحقائبنا وواصلنا المسير حيث قطعنا الشارع الرئيسي وانتقلنا باتجاه المدينة، وقبل الوصول إلى تخومها دخلنا إلى إحدى بيارات البرتقال والمندلينا فأكلنا منها
وبدأنا بصعود جبال الناصرة، نمنا بالقرب من حي الفاخورة دون أن نعلم وكانت ليلة جمعة وفي النهار سمعنا خطبة الشيخ بالكامل وصلينا بالمكان الذي اختبأنا به معهم صلاة الجمعة وبقينا لغاية حوالي الساعة السابعة مساءاً، واصلنا المسير حيث التقينا ببعض الشباب وتحدثنا معهم عن بعد وطلبنا منهم أن يرشدونا إلى جبل القفزة ففعلوا ذلك، سألناهم عن المكان الذي نتواجد به فأخبرونا أنه حي الفاخورة
واصلنا المسير حتى جبل القفزة محاولين العثور على بعض العمال الفلسطينيين لمساعدتنا وإرشادنا على الطريق أو إيصالنا لمدينة جنين فلم نجد أحد، وعدنا أدراجنا بالدخول لمدينة الناصرة وأثناء سيرنا على الأقدام بالقرب من بداية الناصرة تفاجأنا بسيارة شرطة صهيونية وبها شرطيين عربيين، قفزوا من السيارة ووجهوا مسدساتهم على رؤوسنا وطلبوا منا إلقاء الحقائب وهنا انتهى المشوار في رحلة ذكرت لكم جزءاً من تفاصيلها ولم أذكر الكثير بعد خلال الخمسة أيام..
هناك تفاصيل أخرى كثيرة جميلة إنسانية ومشوقة لو تسمعونها لذرفت دموعكم، ومن الممكن أن تكون لديكم أمور طبيعية وبسيطة ولكنها بالنسبة لي كبيرة جداً لشخص حُرم من كل هذا ولم يعرف عنه شيء منذ أكثر من 19 عام.
أنا أحبكم جميعاً فأنتم في سويداء القلب وفي حدقات العيون واللقاء قريب
إن شاء الله على أرض جنين وقريتي بير الباشا بإذن الله تعالى”.
لا تنسوني من فضل دعاؤكم..
تعليق