هل ستُبعد التطورات العراقية الأخيرة المقاومة عن أهدافها؟
على الرغم من إجراء الانتخابات والسيطرة على الوضع بعد عملية اغتيال مصطفى الكاظمي الفاشلة، فإن العراق ينغمس بشكل متزايد في التوترات الداخلية والأزمات الأمنية والاقتصادية فضلاً عن الصراعات الإقليمية.
بعد إجراء الانتخابات المثيرة للجدل التي شهدتها العراق، شهدنا عملية اغتيال فاشلة لرئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” من خلال الهجوم على منزله بثلاث طائرات مسيرة، ما أثار العديد من ردود الفعل الداخلية والخارجية. حيث وصف البعض عملية الاغتيال بأنها مفبركة فيما ألقى البعض الآخر باللوم على إيران وفصائل المقاومة العراقية بأنهم المسؤولون عن الهجوم. بشكل عام، أدّت هذه التصريحات إلى تفاقم التوترات الداخلية في العراق ولفتت انتباه المسؤولين الإيرانيين إلى العراق. وأخيراً مع تبني الكاظمي للمواقف المناسبة والزيارة المهمة للقائد “إسماعيل قاآني” قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإسلامي إلى العراق تم ضبط الأوضاع وتخفيف التوترات.
وفي هذا الصدد، نقلت بعض المصادر الإخبارية العراقية أنباء ومعلومات عن لقاء القائد قاآني والكاظمي وهو ما لا يتماشى مع مواقف وتصريحات المسؤولين الإيرانيين. وزعموا أن القائد قاآني التقى الكاظمي وقال إنه إذا تم اعتقال قائد من الحشد الشعبي أثناء التحقيق في قضية اغتيال الكاظمي، فإن المسيرات الحقيقية ستلاحق الأمريكيين إلى منازلهم.
وبغض النظر عن حقيقة أن مواقف السلطات الإيرانية لا تتماشى مع هذا التهديد، تجدر الإشارة إلى أن تصعيد التوترات الداخلية في العراق يتعارض مع مصالح إيران والمقاومة.
حيث تسعى إيران حالياً لإقامة تحالف سياسي بين جميع التيارات الشيعية واتفاقها مع التيارات السياسية العراقية الأخرى وتريد إقامة حكومة مستقلة وشاملة وهذه السياسة لا تتماشى مع مثل هذه التهديدات. لذلك فإن احتمال صحت مثل هذه التفاصيل عن اجتماع قادة إيران والعراق ضعيف.
وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة لحكومة الكاظمي مع الولايات المتحدة، إلا أنها أقامت أيضاً علاقات قوية مع إيران والسعودية والإمارات مما يشير إلى تركيزها على العلاقات مع جميع الأطراف الأجنبية في العراق. وبالطبع نظرة الكاظمي لإيران كما كانت واضحاً منذ بداية رئاسته كانت قسرية، ولكن اعتماد العراق على إيران في المجالات المختلفة من المجال الاقتصادي والأمني واستيراد الكهرباء والماء والبنزين وإلى ما هنالك والسيطرة على فصائل المقاومة العراقية وتنفيذ قوانين البرلمان العراقي الذي يُلزم بإخراج القوات الأمريكية و…الخ أدى إلى تسوية مع إيران.
وكما نعلم جميعاً أن هذه التسوية لا قيمة لها ولا أساس لها وقد يتخذ الكاظمي أو أي رئيس وزراء مستقبلي آخر للعراق موقفاً صارماً ضد إيران. حیث أن الكاظمي أرسى سلسلة من الإجراءات المهمة خلال فترة رئاسته للوزراء والتي تدل على مواجهة ناعمة مع إيران والقضاء التدريجي على حركة المقاومة في العراق.
حيث أنه بدايةً وضع ميزانية الحشد الشعبي تحت سيطرة الجيش كما واعتقل في أوقات مختلفة قادة من الحشد الشعبي الذين حسب قوله خالفوا القانون. وقام بفصل عدد من كبار ضباط الجيش المشتبه بهم في كونهم مقربين من الحشد الشعبي وتطرق مؤخراً إلى مسألة تسليم المجموعات المسلحة لسلاحها إلى الدولة. وهذه الحالات التي ذكرناها تشير إلى تنفيذ مشروع للقضاء التدريجي (الناعم) على المقاومة من الحكومة والسلطة في العراق.
وتجدر الإشارة إلى أن الكاظمي يشغل حالياً منصب رئيس وزراء لتصريف الأعمال في العراق ولديه سلطة ضعيفة لتنفيذ مشاريع الإصلاح الاقتصادي والحكومي. ولكن إذا تولى هو أو شخص قريب من تفكيره رئاسة الحكومة العراقية المقبلة فإن تنفيذ المشاريع الإصلاحية بما في ذلك مشروع إزاحة المقاومة من السلطة سيتسارع.
وفي هذا الصدد، جاء التصريح الأخير لكتائب حزب الله عبر “أبو علي العسكري” الناطق باسم كتائب حزب الله لافتاً للنظر، حيث كان رداً على تصريحات “مقتدى الصدر” وتغطية الإعلام المناهض للحشد الشعبي الذي دعا إلى انحصار السلاح في يد الحكومة.
وفي هذا البيان رحّب حزب الله في العراق بالدعوة إلى تسليم السلاح أو انحصار السلاح في يد الحكومة وكتب:” تنفيذاً لهذه الدعوة من الضروري للطرف الذي أثار هذه القضية أن يأخذ زمام المبادرة في تسليم السلاح وخاصة السلاح الثقيل وتسليم مسؤولية وحداته لقيادة الحشد الشعبي وإخراج العناصر الغير منضبطة من هذه الوحدات.
والخطوة التالية هي الذهاب باتجاه المجموعات “الميليشيا” الأكثر عدداً أي قوات البيشمركة والتي يبلغ عددها ما يقرب من 160 ألفاً والمجهزة بأحدث الأسلحة ويجب أن تسلم أسلحتها إلى الحكومة العراقية. وفي حال تم اتخاذ هاتين الخطوتين يمكن القول إن مشروع انحصار السلاح بيد الحكومة قد نجح”.
بشكل عام وبالنظر إلى هذه القضايا الغير قابلة للحل يمكننا أن نرى أن المعركة السياسية الجارية حالياً في العراق ستستمر لسنوات. وذلك لأن هيمنة القضايا السياسية على القضايا الرئيسية في هذا البلد والتي هي الفساد المنظم، ومشاكل المعيشة، والبطالة وإلى ما هنالك أمر لا مفر منه حيث أصبح الشعب العراقي تدريجياً أكثر لامبالاة بالقضية السياسة. ومن ناحية أخرى فإن التيارات السياسية من تيارات المقاومة إلى التيارات التابعة للغرب ليس لديها القدرة على إلغاء بعضها البعض أو التفوق على بعضها كما وأن البنية السياسية لهذا البلد مصممة بحيث يكون هناك دائماً جو من التوتر والتنافس العرقي والديني. وفي مثل هذه الحالة يجب إما الاستماع إلى الحل المقترح من قبل الإيرانيين أي التفاعل والتسوية مع جميع التيارات العراقية، أو السير في طريق التوتر والمنافسة معهم الأمر الذي لن يؤدي إلا إلى ابتعاد المقاومة عن الأهداف الرئيسية في المنطقة.
تعليق