“صفقة القرن…كلا!”
“تغيير المعتقدات ليس كتغيير أثاث المنزل”
عنوان المشروع الذي جاء في ظل الإجراءات الإمبريالية لترامب والذي يُدعى “صفقة القرن” كان لمدة طويلة واحداً من أكثر القضايا السياسية إثارة للجدل في العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
حيث إن تمرير سياسة اللوبي الصهيوأمريكي ضمن إطار الكُتاب ومحللي السلام هي مهمة دعائية واسعة لتزيين هذا المشروع ويعملون بلا كلل لكي يُظهروا أنه تم حل القضية الفلسطينية ويُقدمون أمريكا على أنها بطل أنقذ الشعب الفلسطيني. ولم يمر أسبوع تقريباً منذ أن نشر المركز الغربي للدراسات الاستراتيجية والمراكز البحثية التابعة له باللغة العربية مقالاً عن صفقة القرن على أنها الحل الوحيد للقضية الفلسطينية. حل يدّعون على أنه علاج لجروح الفلسطينيين ولكن في الحقيقة يكشف النقاب عن ستار الاستقلال وعزّة الفلسطينيين التاريخية ويتركها لمصلحة الكيان الصهيوني للأبد.
ومن جهة أخرى رفضت المقاومة الاسلامية الفلسطينية وداعميها هذه الخطة بشدّة وأعربوا عن مخالفتهم لها. وقال قائد الثورة الاسلامية بهذا الشأن: “لقد أبرم الأمريكيون صفقة مع الصهاينة حول أمر لايخصهم. فلسطين ملك للفلسطينيين والأمر متروك لهم باتخاذ القرار.”
وقد عارضت روسيا إلى جانب بعض الدول العربية ومن ضمنهم مصر والأردن هذه الخطة وكما أعربوا عن معارضتهم لهكذا خطة مع مثل هذه القضية. واعتبر السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله اللبناني أن انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي وعودة العقوبات على إيران من قبل أمريكا هو مقدمة لتنفيذ صفقة القرن وأعرب عن تشاؤمه منها. وقد أقيمت الاحتجاجات الشعبية والمسيرات ضد هذه الخطة في كافة بقاع الأرض بما في ذلك أوروبا وأمريكا اللاتينية ودول الخليج والدول الأفريقية أيضاً. وهذا يعني بأن شعوب العالم يدافعون عن الهوية والمعتقدات الفلسطينية ويعبرون عن غضبهم واشمئزازهم من الكيان الصهيوني الغاصب.
والسؤال هنا في حال جاء هذا المشروع لحل النزاع وإنهاء التهجير للشعب الفلسطيني الذي دام 72 عاماً لماذا رفضته فصائل المقاومة الفلسطينية؟ حيث أعلنت حماس أن هذه الخطة هي خطة احتلال وصهيونية من أجل تهويد فلسطين وطلبت من قادة وزعماء الدول العربية والاسلامية اتخاذ اجراءات جادة ضدها. وتؤكّد حماس بأن الشعب الفلسطيني سيحدد مصيره بمواصلة النضال والمقاومة وكما أعلنت حركة الجهاد الاسلامي الفلسطينية بأن أمريكا تريد من الشعب الفلسطيني أن يستسلم أمام المحتل الإسرائيلي بعد عشرات السنين من النضال والمقاومة. وتعتقد أمريكا أنها تستطيع تغيير تاريخ ومعتقدات الشعب كما تغير أثاث منزلها.
ولكن فيما يتعلق بمبدأ هذه الخطة يجب علينا بحث عناصرها كي نظهر عمق ماتحويه. وتتضمن صفقة القرن قسمين بعنوان “الإطار الاقتصادي” و”الإطار السياسي”.
القسم الاقتصادي
وتم تقديم الإطار الاقتصادي لصفقة القرن في حزيران من العام 2019م خلال ورشة المنامة الاقتصادية في البحرين. ووفقاً لهذه الخطة التي نُشرت قبل يومين من المؤتمر من قبل البيت الأبيض، فإن الإطار الاقتصادي لصفقة القرن يتضمن ثلاثة أقسام:
– إطلاق الإمكانات الاقتصادية عن طريق إنشاء بنى تحتية للنمو والاستثمار التجاري
– تمكين الشعب الفلسطيني عن طريق تعزيز الخدمات التعليمية
– تعزيز السيادة الفلسطينية عن طريق خلق بيئة أفضل للعمل
وفي القسم الاقتصادي من صفقة القرن قام ترامب بتقسيم التكاليف لتنفيذ هذه الخطة على الدول والتي شكّلت تحالفاً سابقاً مع أمريكا. ومن أجل تنفيذ صفقة القرن فإن التكاليف تُقدّر بخمسين مليار دولار. وقالت أمريكا أنها ستنشىء صندوقاً بقيمة خمسين مليار دولار للإستثمار وخلق بنية تحتية. وسيُخصص من هذا المبلغ مبلغاً وقدره 28 مليون دولار سيوزّع على الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.
القسم السياسي
كشف ترامب عن القسم السياسي من صفقة القرن بتاريخ 28 كانون الثاني 2020م. ويتضمن هذا القسم 22 فصلاً ويعرض كافة القضايا الفلسطينية المتنازع عليها.
ونتيجة تنفيذ هذان القسمان فإننا سنشهد العواقب التالية:
– ستقام الدولة اليهودية تاريخياً في فلسطين وستعترف الحكومة الفلسطينية التي ليس لها موقع واضح بها.
– القدس عاصمة الدولة اليهودية والفلسطينيين على أطراف القدس بإسم “أبو ديس” على أنها عاصمة لهم.
– لا وجود للدولة الفلسطينية ولكن سيتم النظر في الاستعدادات لإنشاء دولة بدون جيش في بعض أجزاء الضفة الغربية والتي تقل عن 40% من خلال مباحثات طويلة الأمد.
– لن يكون هنالك حق للاجئين الفلسطينيين بالعودة لفلسطين.
– المقاومة تحت اسم الإرهاب وسيتم تعريفها في الكتب الدراسية للشباب الفلسطيني تحت اسم الإرهاب.
– أخذ حق المقاومة المسلحة من الفلسطينيين ويجب نزع السلاح من قطاع غزة. وستكون هذه المنطقة معزولة لا صلة أو ارتباط لها بالعالم الخارجي.
– ستحظر أمريكا أي حق للفلسطينيين في الانضمام إلى الأمم المتحدة.
– سيتم أخذ الأراضي من الفلسطينيين ضمن الأراضي عام 1948م وإعطائهم أراضي بدلاً عنها في صحراء النقب.
– يجب أن تعترف الدول العربية في المنطقة بالدولة اليهودية بشكل رسمي وإقامة علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني.
– سيمنح الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي التاريخية الفلسطينية إمكانات إقتصادية بدلاً عن الحق السياسي.
– إنشاء مدن صناعية في أطراف غزة بصحراء سيناء حتى يتمكن سكان غزة من الذهاب للعمل هناك.
– سيتم منح مبالغ للدول المجاورة لفلسطين كي تبقي وتحمي اللاجئين الفلسطينيين عندهم.
– سيبقى سهل الأردن في يد إسرائيل كما هو عليه الآن.
– استكمال طريق غور الأردن (جدار الفصل العنصري) وسيستخدم الفلسطينيون هذا الطريق وهو الطريق الجديد الذي سيصل الأردن بفلسطين الجديدة وسيكون تحت مراقبة الفلسطينيين.
وفيما يتعلق بغور الأردن والطريق الذي تم ذكره يجب أن نقول بأن الجرافات الإسرائيلية تُمهد الأرض خارج المدن الإسرائيلية لتعبيد هذا الطريق والذي من المقرر أن يستخدمه المستوطنون فقط. وتعتزم إسرائيل تحويل منطقة وادي نهر الأردن والتي تشكل ثلث الضفة الغربية إلى منطقة متعلقة بإسرائيل بالكامل كي تمنع أي علاقات إقليمية لدولة فلسطين الجديدة مع كافة الدول العربية.
ويتضح مما ذُكر أن هذا المطلب مرفوض عملياً من قبل الشعب الفلسطيني الذي يحق له أن يقرر بنفسه النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي لبلدهم التاريخي. ولكن من ناحية أخرى فإن الكيان الصهيوني الذي هو غير قادر على التفاوض مع الفلسطينيين يستعين بأمريكا بعد فشله أمام الانتفاضة وحرب ال22 يوماً في غزة واستمرار النضال للمجاهدين الفلسطينيين. وتعتبر أمريكا أن استراتيجيتها في الإدارة والتحكم بالعالم الاسلامي تعتمد على تشكيل الشرق الأوسط الجديد بمحورية إسرائيلية ومن جانب واحد ومع إقدامها على عمل مشين بنقل مكان سفارتها إلى القدس دخلت مرحلة تنفيذ صفقة القرن وتسعى لغرس هذه الخطة في الفلسطينيين بشكل عملي من خلال الحرب الناعمة.
وملخص الكلام بأن صفقة القرن هي مجرد تشكيل دولة يهودية وتطبيع العلاقات بين الدول العربية وغرب آسيا مع إسرائيل، وتدمير كرامة واستقلال الشعب الفلسطيني وترسم خطاً على أيديولوجية المقاومة القوية على أنها باطلة وتغرسها بين الفلسطينيين بأنكم تعبتم من النضال والآن هو وقت الحل الوسط والراحة! وهذا هو المكان الذي تسعى من خلاله الأقلام الغربية لفعل ذلك بالوعود بالعيش الرغيد والأفضل على سواحل المتوسط وارتقاء مستوى التعليم وركوب الشباب الفلسطيني لأحدث السيارات الفاخرة في الشوارع الإسرائيلية وإنهاء سبعين عاماً من عقيدة الجهاد والاستشهاد ومصادرة الحقيقة.
مدوّنة: إحسان حسني
تعليق