جذور الاضطرابات الأخيرة في لبنان، حسان دياب أم الفساد السياسي؟
بعد أشهر عن تراجع الاحتجاجات في لبنان تشهد من جديد أجزاء مختلفة من البلاد مرة أخرى اشتباكات متفرقة احتجاجاً على الوضع الاقتصادي.
ولدراسة الوضع الحالي في لبنان بشكل أفضل يجب الإشارة بشكل سريع إلى تاريخ 17 تشرين الأول 2019م وهو التاريخ الذي حدثت فيه موجة واسعة من المظاهرات في جميع شوارع وأنحاء لبنان. حيث كان السبب الرئيسي لهذه المظاهرات هو قرار وزير الاتصالات في لبنان بوضع ضريبة على مكالمات الانترنت على برنامج واتس أب (WhatsApp) والتي سرعان ما أصبحت موجة عامة من الاحتجاجات على الوضع الاقتصادي السيء للغاية في هذا البلد الصغير المليء بالمغامرات.
وعلى الرغم من إلغاء الأمر الوزاري على الفور ولكن المتظاهرين طالبوا بإجراء انتخابات مبكرة واستقالة حكومة سعد الحريري، والتي جرت في أقل من أسبوعين بتاريخ 29 تشرين الأول واستقال سعد الحريري بعد سنوات من السلطة في المشهد اللبناني.
وبعد استقالة سعد الحريري وبعد ثلاثة أشهر من المشاورات السياسية المكثفة تم تقديم اسم لشخصية غير معروفة يُدعى حسان دياب كمرشح رئيسي لرئاسة الوزراء في هذا البلد، ويعتبر حسان دياب من الشخصيات السياسية اللبنانية ولكن كونه مستقلاً وكذلك سير عملية انتخاب رئيس الوزراء التقليدية في لبنان والتي كانت دائماً في أيدي قادة الأطراف السياسية المختلفة لذلك لم يكن يتوقع أحد قدومه لمشهد السلطة.
ومنذ البداية أعنت الجماعة السياسية المعروفة باسم 14 آذار بأنها لن تدعم دياب ولكن التيار الداعم للمقاومة والمعرف باسم 8 آذار وبفضل الانتخابات البرلمانية الأخيرة وفوزه بأغلبية المقاعد في البرلمان استطاع التصويت ومنح الثقة لدياب وحتى بدون وجود 14 آذار وتم تشكيل حكومة لبنانية جديدة.
وكانت أهم المهام لحسان دياب هي تشكيل حكومة جديدة بوجوه جدد خالية من الأوجه السياسية التقليدية والتي هي من كافة المجموعات ومن ضمنهم 8 آذار وفي هذا الصدد فإن الوزراء مثل جبران باسيل أهم الأعضاء في تيار 8 آذار تم حذفه من وزارة الخارجية وكذلك علي حسن خليل نائب نبيه بري رئيس حركة أمل والذي تولى لسنوات وزارة المالية تم حذفه أيضاً من الحكومة. وقبل ذلك كان حزب الله ممثلاً في حكومة سعد الحريري بثلاثة وزراء حيث أصبح ممثلاً بوزيرين في الحكومة الجديدة وهما وزارة الصحة ووزارة الصناعة. ولم يرشح تيار 14 آذار أي شخص للتواجد في حكومة دياب كإعتراض عليها ووفقاً للدستور اللبناني فإن اختيار الحصص تتم من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المنتخب وعلى هذا الشكل بدأت الحكومة اللبنانية الجديدة أعمالها في شباط 2020م بوجوه جديدة تماماً.
وكان التحدّي الأهم الذي واجهته حكومة حسان دياب الإرث الثقيل جداً الذي تركته الحكومات السابقة والتي حولت لبنان من دولة تجارية إلى دولة مديونة وتحولت لدولة فاسدة سياسياً. وقد كان الطريق أمام دياب صعباً للتغلب على هذه العقبات؛
في البداية وقبل كل شيء فإن قادة وزعماء 14 آذار والذين تولوا منصب رئاسة الوزراء خلال ال30 سنة الماضية لن يسمحوا بتجربة ناجحة في المشهد السياسي اللبناني وذلك لأن نجاح دياب يعتبر نهاية لوجودهم السياسي.
المشكلة الثانية تتلخص في المصرف المركزي ورئيسه رياض سلامة. حيث أن رياض سلامة كان رئيس المصرف المركزي اللبناني منذ عام 1992م ويحظى بدعم من دول غربية وبالأخص أمريكا وقد اتبع في السنوات الأخيرة سياسات اقتصادية خاطئة بهدف الضغط على حزب الله وخلق فوضى داخلية في لبنان، مما أدى لإرتفاع حاد في سعر الدولار بلبنان.
وفي أحدث قرارات حكومة حسان ديان لتحسين الوضع الاقتصادي الداخلي وتنظيمه قام حسان دياب بعرض خطته للإصلاح الاقتصادي. وأهم النقاط في هذه الخطة هو الحصول على مساعدات مالية من صندوق النقد الدولي لتحسين وضع العمل وكذلك مراجعة الهيكلية المصرفية للبلد ومنع النمو الجامح لمعدل الدولار في السوق ومنع تدمير المال العام.
وعلى الرغم من أن المساعدة من صندوق النقد الدولي تحتاج لشروط معينة وتجعل من لبنان مديوناً ولكن في الوقت الراهن ومع هذا الفساد الواسع للتيارات السياسية المختلفة والتي نهبت وسرقت ثروات الشعب اللبناني خلال السنوات الماضية فلا سبيل سوى الاقتراض الأجنبي من أجل حل وتسوية المشاكل الاقتصادية للبنان ويمكن القول في حال تلقي المساعدات المالية من صندوق النقد الدولي والتي تُقدر ب10 مليارات دولار فإن لبنان يمكنه أن يحل العديد من مشاكله الاقتصادية بالكامل.
النقطة التالية تواجد رياض سلامة في رئاسة المصرف المركزي اللبناني. حيث تعتقد مصادر سياسية لبنانية مختلفة أن إبعاد رياض سلامة سيثير غضب المسؤولين الغربيين وبالأخص فرنسا وأمريكا وذلك لأنه مدعومٌ من قبلهم ومتوافق تماماً مع سياساتهم في تنفيذ السياسات الاقتصادية. ومن جهة أخرى فإن التيارات السياسية اللبنانية والتي تمكنت جميعها خلال هذه السنوات من جمع مليارات الدولارات بمساعدة رياض سلامة بدون سداد أي شيء لذلك فإن إقالة وإزاحة رياض سلامة يعتبر تحذيراً وخطراً لفضح الفساد وما خلف الستار ولهذا فإن هنالك معارضة شديدة لإزاحة رياض سلامة.
وفي النهاية يجب القول إن الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية في لبنان أقل أهمية بكثير من أحداث 17 تشرين الأول وهي محدودة على عدد من المناطق المعينة وكلهم نزلوا للشوارع بأمر من زعماء الأحزاب السياسية المعارضة لحسان دياب. وإن الجيش اللبناني وقف وسيقف بحزم أمام أي اضطراب أمني. وبشأن الاصلاحات الاقتصادية في لبنان وبالنظر للمشاكل التي ذكرناها فيجب علينا الانتظار لنرى إلى أي مدى جدّية حسان دياب وميشيل عون في تنفيذ قراراتهم وإلى أي مدى سيكونون قادرين على تحمل ضغط التيارات الداخلية المعارضة والدول الأجنبية.
تعليق