تشكيل حكومة إسلامية من منطلق أمريكا؛ الضوء الأخضر في البداية والدمار في النهاية
إن السعي الأمريكي بشأن تشكيل وتعزيز حكومات إسلامية من قبل جماعة سلفية تكفيرية ومن ثم تدميرها؛ هو سيناريو متكرر للسياسة الخارجية لهذا البلد في العقود الأخيرة. حيث تلقت داعش الضوء الأخضر من أمريكا بشأن تشكيل حكومتها لبعض الوقت والآن يبدو أننا سننتظر تشكيل جماعة جديدة سلفية تكفيرية في شمال غرب العراق وذلك بالنظر لخطة خروجها من العراق.
إن الجهود المبذولة لتحقيق التمدن الاسلامي من خلال تمرير النظام والدولة الاسلامية في العقيدة الشيعية للثورة الاسلامية الإيرانية ومن جهة أخرى إعداد الخلافة الاسلامية لرسول الله وتأسيس دولة الخلافة أو الحكومة الاسلامية هما مجالان يؤكد عليهما الغرب بشدّة من أجل وضعهما ضمن الأدب الديني والسياسي للعالم.
ويبدو وكأن سياسة الدول والجماعات الاسلامية هي ببساطة تشكيل حكومة كيفما كانت وكل دين يعتبر أتباعه على حق ويصدر فتوى الجهاد للحفاظ على هذه الحكومة ومساعدتها ويعتبر القتلى على هذا الطريق هم شهداء ويفسر هدفه عن طريق دمائهم بأنها هي الدليل القاطع من أجل إثبات أنه الطريق الصواب.
هل هذا حقاً ما يدعوا إليه الإسلاميون؟ أم أن هيمنة الغرب بمساعدة إمبراطوريتها الإعلامية القوية كوّنت هذه القضية ودخلت المعركة كأنها المعلم لحل قضايا العالم الاسلامي؟ لماذا دائماً أمريكا هي التي تزيل قادة الجماعات التكفيرية الإرهابية من المشهد حتى يعلم العالم أن أمريكا هي البطل الذي لا غنى عنه في محاربة الإرهاب؟
لطالما كان الغرب وأمريكا طرفاً في النزاعات الناشئة عن الاختلافات الحزبية والحروب الأهلية في البلدان الاسلامية.
وكما في الصراعات بين إيران وجيش الظلم، أفغانستان والقاعدة، العراق وجماعة التوحيد والجهاد، سوريا وجبهة النصرة، الدولة الاسلامية في العراق والشام، اليمن وأنصار الشريعة (فرع القاعدة في شبه الجزيرة العربية)، أفريقيا وحركة الشباب (فرع القاعدة في دول أفريقيا المغرب ومالي وليبيا وتونس) فإن الجهود الأمريكية الخفية والعلنية تُعبّر عن مدى اهتمامها من أجل تشكيل حكومة اسلامية.
كيف يمكن أن تنفق هذا القدر من أجل تشكيل حكومة اسلامية بينما مسودات عقوباتها على كافة الدول الاسلامية دائماً موضوعة ضمن جدول أعمال مجس الشيوخ؟ ما هو الفرق بين هذه الدول الاسلامية؟ وهل يوجد مفتاح لحل هذا اللغز؟!
ويقول ويليام مكّنتس المستشار السابق لوزارة الخارجية الأمريكية وأحد أبرز الخبراء في دراسات الشرق الأوسط والتيارات الإسلامية في كتابه “قيامة داعش” ويعتبر أن داعش هي وليدة القاعدة في العراق: “لقد استفزت القوى العظمى الأجنبية لمهاجمة النهضة الجهادية العالمية. دعونا نتذكر أن المدرسة التقليدية والجهادية العالمية مثل بن لادن أرادت أن تُخرج الغرب الكافر من الأراضي الإسلامية قبل تشكيل الدولة وتكسب الدعم الشعبي للمسلمين.”
إن اللغز من وجهة نظرنا انتهى! فيما يلي سنذكر مثالين لتفسير جواب اللغز والذي شغل فكركم لدقائق.
الابتزاز والمبالغة في تصوير الوجه الشيطاني السلفي التكفيري من قبل الغرب وإعلامه ومسؤوليه ويظهرون بان الجماعات الجهادية هي عدو واحد وضرر كبير للعالم كله ويجب على العالم محاربته معاً. وأيضاً قيادة التحالف الدولي بيد أمريكا والتي تقترب خطوة أخرى من السيطرة على العالم وتقديم نفسها على أنها البطل الذي لايمكن هزيمته (سوبر مان).
دعونا نذهب أعمق قليلاً ونرى ماذا خلف الستار. قامت أمريكا بداية بدعم القاعدة لنشر لهيب الحرب بين المسلمين وذلك بالقتل والنهب ونشرها بين الدول الاسلامية. ومن ثم تدخل أفغانستان والعراق من أجل محاربة القاعدة وتجذب بقية المسلمين إلى الهاوية مع حلفائها.
وبالطبع في هذه المعركة فإن الاقتصاد الأمريكي ينمو بشكل جيد وذلك أولاً من ناحية بيع السلاح ومعدات الحرب وثانياً استيراد البضائع لهذه الدول.
ومشروع رهاب الإسلام أو (إسلامفوبيا) هو مفتاح أيضاً. وبعد أن قام تنظيم القاعدة بنشر فروعه في كافة الدول مثل العراق واليمن وسوريا وتونس وليبيا وعُرف في كافة أنحاء العالم يأتي الآن الدور الأمريكي لدخول الساحة وباغتيالها لقائد القاعدة أسامة بن لادن تظهر نفسها على أنها المخلص للمسلمين وكل شعوب العالم. وبعد فترة تكبر جماعة التوحيد والجهاد (النواة الأولى للقاعدة في العراق) وتُاسس الدولة الاسلامية في العراق. وبعد مدةٍ من التجاذبات والخلافات داخل قادتها تم إعلان الخلافة للدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) حتى زعمت أكثر وسائل الإعلام أن جماعة إرهابية تدعو لإحياء الخلافة النبوية.
والآن يتكرر نفس السيناريو مع الدولة الاسلامية في العراق والشام. حيث أن القاعدة العسكرية الأمريكية في “التنف” جنوب شرق سوريا وعلى الحدود مع الأردن والعراق هي مكان تدريب وتسليح هذه الجماعات الإرهابية من قبل أمريكا. توسّعت داعش بسرعة في سوريا والعراق بينما لا وجود لأخبار عن التواجد العسكري الأمريكي. وبعد أن أصبح إرهاب داعش كمجموعة إسلامية يتصدر عناوين الصحف وتعززت الإسلامفوبيا وكذلك بعد أن قتلت داعش آلاف الناس المظلومين وشرّدت الملايين تأتي أمريكا والتحالف ضد داعش بقيادتها وتدخل المشهد.
الأجزاء التي لم يتم تدميرها إثر هجمات التكفيريين تم تدميرها من خلال قصف الطائرات الأمريكية وذلك لأنه كلما تهدّمت البنى التحتية والمناطق السكنية للمسلمين فهذا يصب بمصلحة أمريكا ويؤثر على الاقتصاد ومشروع الإسلامفوبيا. هروب الإرهابيين وإنسحابهم كان تحت غطاء المُسيّرات لحمايتهم لمنع توغل أكبر لقوات المقاومة وقتل ما بقي من التكفيريين. وتم قصف المناطق السكنية بذريعة وجود الإرهابيين.
في الواقع الذي سلم من يد التكفيريين تم هدمه وتدميره من قبل أمريكا وقوات التحالف. وفي المحصلة نهاية عدّة سنين من القتل والنهب والاغتصاب والتشرد لآلاف المسلمين من الرجال والنساء والأطفال وتأتي أمريكا وتغتال ورقتها الرابحة أبو بكر البغدادي بغارة جوّية لمُسيّرة وتدّعي أنها البطل الذي حارب إرهاب داعش. وقد تعرّضت دول العراق وسوريا لأكثر من خمس سنين لأضرار جسيمة في الأمن والازدهار والاقتصاد وعانى محور المقاومة من أزمة. وطالما أن كافة الدول الاسلامية مشغولة ، فإن الصواريخ الأمريكية تسقط على رؤوس الشعب اليمني المظلوم في حرب اليمن عن طريق آل سعود وأيضاً تم العمل في فلسطين مع الهامش الأمني الذي تم إنشاؤه للإحتلال الإسرائيلي وصفقة القرن ونقل السفارة الأمريكية للقدس.
والآن نستطيع أن ندرك لماذا مكنتس يعتبر أنه من المهم تشكيل جبهة واحدة ضد الجماعات التكفيرية ولماذا أدلت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية السابقة في كتابها “الخيارات الصعبة” بتصريحات مثيرة للدهشة واعترفت بأن داعش هي في الحقيقة صناعة أمريكية وهدفها تقسيم الشرق الأوسط.
وفي وقت سابق تحدّثت أكثر لأبعد من ذلك في مقابلة مع قناة فوكس نيوز حيث قالت بأن النواة الأولى للقاعدة في أفغانستان أمريكا من قام بإنشائها لمواجهة الاتحاد السوفيتي. والنتيجة واضحة! يجب أن تبقى الدول الاسلامية في حالة صراع وحرب دائماً حتى تُضعف نفسها وتدميرها بالنهاية. والآن يجب تدمير وإطفاء الضوء الأخضر الذي كان مضيئاً من أجل تشكيل حكومة إسلامية للتكفيريين قبل أن يصبح تهديداً كبيراً على أمريكا.
مُدوّنة: إحسان حسني؛ طالب في الدراسات الإسلامية والإدارة العامة
تعليق