تركيا وسوريا إلى أين سيصلان؟
تم تحرير مدن مهمة بحلب وادلب في الأسابيع الماضية بعد معارك ضارية وارتفعت الآمال لنهاية 9 سنين من الحرب في سوريا ولكن هنالك دولة مجاورة لم ترغب بإنهاء الحرب في هذا البلد المجاور لها.
قدّم أردوغان دعماً غير مسبوق خلال الأسابيع الماضية للجماعات الوهابية والسلفية التي عاثت دماراً وقتلاً لسنوات في سوريا حتى ظنّ بعض المراقبين السياسيين بأن هنالك احتمال لنشوب حرب بين البلدين. في الواقع لماذا تدعم تركيا الجماعات الوهابية وتضع هذه التكلفة الكبيرة لذلك في الوقت الذي يقومون بتدمير الاقتصاد السوري وهم ينسحبون ويتلاشون؟
الحقيقة هي أن أردوغان بدلاً من أن يفكر في تطوير تركيا والتعايش بين تركيا والعرب في المنطقة وما إلى ذلك يسعى لأن يكون إمبراطوراً ولكن إذا تأمل قليلاً يستطيع أن يدرك الحقائق بالأخص بالنظر لأصدقائه وأعدائه قبل وبعد انقلاب غولن الأمريكي. وإذا تخلت تركيا عن دعمها لجماعات القتل فقد تأمل في مستقبل من التعاون مع شركاء مثل إيران وروسيا وحتى العودة إلى السوق السورية. وبالإضافة لذلك تستطيع الاستفادة من الموارد النفطية لليبيا وذلك بالتركيز على تعزيز حكومة الوفاق الليبية والتي لديها معاهدة تحالف معها ولكن هذه الأيام هي في حالة سقوط. ولكن مافعله أردوغان في الأيام الماضية من أجل الشعب التركي أمر مؤسف للغاية وذلك لأن الأمهات التركيات باتت تستقبل جثث أبنائها هذه الأيام ولايعلمون ما إذا كانوا يقتلون بالفعل من أجل الدفاع عن منافع البلد؛ ومع استمرار هذه الأوضاع فإن أرواح الجنود الأتراك في سورية هي في خطر أكبر من ذي قبل وذلك من أجل دعم تنظيم القاعدة الذي يًكدس القتلى بسهولة ويقطع الرؤوس. وبهذا يكون حزب العدالة والتنمية قد وفّر فرصة جيدة لمنافسيه في الانتخابات المُقبلة.
وأنقرة بإشعالها للفتنة والحرب بسوريا تعادي شركائها الاقتصاديين وهذا الأمر سيسبب الكثير من الضرر لها. وفي حال تحول التوتر إلى حرب بين تركيا وسوريا فإن إيران وروسيا اللذان دعما دمشق ضد الإرهاب بالتأكيد لن يبقوا صامتين حتى يعود الإرهاب بعد أن كان على حافة الزوال. يجب أن لاينسى أردوغان بأن إيران وروسيا قد أفشلتا بشكل جاد إنقلاب مناصري غولن في تركيا.
هنالك فرصة للتعاون
هنالك اشتراك كبير بين تركيا وإيران. يعارض البلدان بشدة الفتنة التي تقوم بها الحكومة السعودية والإماراتية؛ وذلك بسبب هجومهم على اليمن ضد اللجان الشعبية والذين هم أصدقاء إيران وفي ليبيا حربهم مع حكومة الوفاق والذين هم متحالفين مع تركيا. وكلا الدولتان يدعمان مادورو في كركاس وحماس في غزة. ولدى الدولتان تجارة تفضيلية ونعلم بأن أساس الاقتصاد التركي هو التجارة. وهذا في الوقت الذي لاتتمتع تركيا بعلاقات جيدة مع دول المنطقة.
حيث ذاقت تركيا طعمة المؤامرات الأمريكية في الانقلاب سنة 2017م وخاضت تجربة التهديد بالعقوبات. ولإيران وتركيا أعداء مشتركين مثل فتح الله غولن الذي ينادي بالاسلام الأمريكي إلى درجة أنه معادي لإيران لدرجة سعيه بالانقلاب على حكومة أردوغان عام 2017م.
وتبدل العداء بين تركيا وروسيا إلى تعاون بعد إغلاق ملف عضويتها بالاتحاد الأوروبي ودعم أمريكا لإنقلاب غولن. وأدت هذه العملية لشراء تركيا منظومة S-400 الذي يخالف لوائح حلف الناتو على حساب مشروع شراء طائرات F-35 الأمريكية.
ومن جهة أخرى تمكنت تركيا من تحويل نفسها لممر للطاقة في شرق أوروبا بخلاف الرغبة الأمريكية؛ وخط أنبوب الغاز الروسي لشرق أوروبا عبر تركيا المسمى (ترك ستريم) الذي حقق الآمال التركية وكما أنقذ روسيا من الارتباط بالأراضي الأوكرانية من أجل تصدير الغاز لأوروبا. وخطوة أردوغان هذه لوت فم واشنطن المليء بالتحذير.
وتدرك أنقرة أنها لاتستطيع الاعتماد على الدول القوية من أجل الدخول في حرب مع سوريا؛ لاوجود لدعم الناتو في الحرب مع سوريا وأمريكا ليست مستعدة للدخول في خطر حرب عالمية مع روسيا وإيران من أجل خمسة آلاف كيلومتر مربع في الأراضي السورية.
يمكن لتركيا أن تحقق منافع كبيرة بالتعاون مع إيران والعراق وروسيا في حال التكامل الإقليمي ومع الإصرار على الاستراتيجيات المتباينة لن تحصل سوى على الخسائر والضرر للشعب التركي. وبالطبع فإن إيران وروسيا يُحبذان وجود تركيا لجانبهما وذلك بسبب تنافسهم الاستراتيجي مع أمريكا وليس بأن تجعلها دولة ضعيفة تستطيع أمريكا اللعب بها.
ما الذي سيفقده أردوغان
إن إصرار أردوغان على استمرار الحرب في سوريا سوف يزيد من ضعف تركيا ويُقلل من العلاقات بين بلده وشركائه الاقتصاديين وسيفرض أيضاً تكلفة كبيرة في المال والأرواح على شعبه.
في اعتقاد وكالة الاستخبارات التركية (ميت) بأن المنطقة التي تشمل شمال محافظة حلب والحسكة هي ضمن الأراضي التركية؛ تماماً مثلما فعلوا بلواء اسكندرون منذ سنين. المحافظة في تركيا التي تدعى هاتاي ولكن شعبها عرب سوريون.
ولهذا السبب لايريد أردوغان بأن تتحرر المناطق في محافظتي حلب وادلب من قتلة تنظيم القاعدة وذلك لأن المرحلة التالية للجيش السوري ستكون باتجاه تحرير مدن الباب وعفرين واعزاز وجرابلس ورأس العين. على الأقل تريد أنقرة أن تبقى المنطقة كعظمة متأزمة للأزمة السورية وذلك لاستخدامها كأداة ضغط على الدولة في دمشق. في حين أن الجيش السوري في وضع يسمح له بتحرير المناطق المحتلة حتى المناطق التي تتواجد فيها أمريكا شرق الفرات والتنف وإسرائيل في الجولان.
إن ما يجبر الروس على دعم دمشق والقضاء على التنظيمات الوهابية التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا وذلك لأنهم لايقبلون بأن يبقى مركز الأزمة بالقرب من حدودهم. حيث أن الأزمة في الشيشان في تسعينيات 1990م لم تسفر عن انفصال هذه الجمهورية عن روسيا فقط. ولكن الوهابيين وبأموال السعودية والإمارات سعوا حتى تنفصل جميع المقاطعات الأخرى في القوقاز وكانت داغستان وإنغوش مسرحاً للدماء. لذلك تعلم موسكو أن عليها اجتثاث جذر الوهابية المسلحة في منطقة الشرق الأوسط لمرة واحدة وللأبد كي تنعم هي بالهدوء. وهذه المسألة هي مسألة حياة أو موت لروسيا مما اضطرها للدخول في الحرب السورية. وهذه الظروف هي ذاتها التي جعلت من أمريكا غير مستعدة لتقبل خطر الهزيمة وهربت بسرعة من الجيش التركي شمال محافظة الحسكة.
سوريا عند نقطة عطف تاريخية
ليس لدى السوريين شيء يخسرونه أكثر من الدمار الذي لحق ببلادهم وتحملوا كل أنواع المعاناة المؤلمة. وبالهجوم التركي على أراضيهم لم يطرأ تغيير بأي شيء ولكن هنالك فرصة من أجل الانتقام. لايوجد أي سوري حتى الذين هربوا لتركيا وشاهدوا تعامل الجيش التركي والذين سعوا للهروب لأوروبا يعلمون ماذا فعلت تركيا معهم من أمور سيئة.
ومن ناحية أخرى تشير الظروف الاقتصادية السورية لهذا التحذير بأن الحرب يجب أن تجتث جذور هذا المرض الوهابي بشكل تام وإلا سوف تقع سوريا بأزمة ثانية والتي ستواجه بها عاصفة اقتصادية سيئة. وهذا قريب جداً.
لذلك فلدى الجيش السوري فرصة ضئيلة لتحرير كامل محافظتي حلب وادلب وشرق سوريا وتوفير أرضية لإعادة الإعمار والتوظيف.
لقد دُمرت سوريا وفي حال هاجمت إسرائيل التي لاتستطيع هذه الأيام التعدّي على حماس والجهاد الإسلامي تستطيع تحرير الجولان وأن تُفهم أصدقاء تل أبيب الغربيين بأن عليهم التعويض عن الهزيمة ودفع تكلفة دمار سوريا وذلك من خلال إعادة الإعمار المجاني وإلا ستمتد الحرب لداخل فلسطين المحتلة.
والآن ليس فقط يجب على سوريا الانتهاء من الوهابية التي يدعمها أردوغان فحسب بل إنها أفضل فرصة لإستعادة الجولان وبالتالي فالدول التي تفرض العقوبات الاقتصادية على سوريا ستتحول لدول تتنافس للإستثمار في سوريا.
يستطيع أردوغان الوصول لمنافع كثيرة في تعاونه المنظم مع إيران وروسيا ولكن بإصراره على هذا الطريق المُتذبذب لن يحصل سوى على الضرر لبلده.
مُدوّنة: محمد بارسا نجفي
تعليق