إرث الحاج قاسم سليماني في سوريا
إن القائد سليماني وبصفته قائد قوات فيلق القدس في الحرس الثوري ومنذ بدأ الأزمة في سوريا ونظراً لدوره المحوري في إدارة هذا الملف، قام القائد سليماني باتخاذ عدد من الخطوات من أجل تهيئة الأرضية لتحقيق الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وهي الحفاظ وإبقاء النظام السوري ومواجهة الجبهة التكفيرية وذلك بتقديم الدعم والحماية للجيش السوري وبذلك يكون […]
إن القائد سليماني وبصفته قائد قوات فيلق القدس في الحرس الثوري ومنذ بدأ الأزمة في سوريا ونظراً لدوره المحوري في إدارة هذا الملف، قام القائد سليماني باتخاذ عدد من الخطوات من أجل تهيئة الأرضية لتحقيق الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وهي الحفاظ وإبقاء النظام السوري ومواجهة الجبهة التكفيرية وذلك بتقديم الدعم والحماية للجيش السوري وبذلك يكون قد وضع إرثاً ثميناً في هذا البلد بكونه واحداً من محور المقاومة.
ومنذ بداية الأزمة السورية، حددت الجمهورية الإسلامية الإيرانية استراتيجيتها الرئيسية القائمة على الحفاظ على بشار الأسد وبقائه في السلطة، ومن ناحية أخرى قامت الجبهة المعارضة والتي هي أمريكا وحلفائها في المنطقة باستراتيجيتها والتي هي الإطاحة ببشار الأسد وإزاحته من منصبه؛ في الحقيقة فإن العدو قد حدد استراتيجيته منذ البداية والمبنية على الإطاحة ببشار الأسد وعلى الرغم من وجود خلافات بين حلفاء أمريكا في المنطقة في التعامل مع الملف السوري ولكنهم اتفقوا على مقولة إزاحة بشار الأسد عن السلطة وفي مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي دخلت سوريا باعتبارها أحد الداعمين الأساسيين لنظام بشار الأسد في مختلف المجالات، العسكرية-الأمنية والسياسية والاقتصادية وإعلان اتخاذها خطوة في السير لتحقيق مجموعة من أهدافها الاستراتيجية ومنها بقاء بشار الأسد والحفاظ على سوريا في محور المقاومة.
وبعد اكتساب جماعات المعارضة الإرهابية للقوة في أعقاب الدعم الإقليمي والدولي لهذه الجماعات وضخ العناصر الإرهابية الأجنبية داخل سوريا مما أدى لاختلال في موازين القوى على الساحة الميدانية وذلك بسبب الدعم والحماية الغربية والإقليمية العربية لصالح المجموعات المعارضة حيث سيطرت التيارات المعارضة المخالفة للنظام الحاكم على أكثر من 70% من الأراضي السورية في عام 2015م. وبعد ذلك أبرمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال إجراء عمل فريد من نوعه بإدارة القائد سليماني، اتفاقية عسكرية-أمنية مع الروس وبعد ذلك شكّل كلا البلدين تحالف عسكري بمهام محددة لمواجهة المجموعات المعارضة والإرهابية على الأراضي السورية. وقد نجح هذا التحالف خلال الأشهر الأولى بإيجاد تغييرات جذرية على الساحة العسكرية-الأمنية السورية ومع مرور الوقت تغيرت المعادلة على الساحة لصالح النظام الحاكم مما مهّد الطريق لاستمرار التحالف في الساحات المدنية في ضوء الانتصارات الميدانية الكبيرة مثل تحرير حلب وتبعه محادثات أستانة وجذب تركيا باتجاه هذا التحالف. وكان للقائد سليماني دور كبير ومهم في إقناع الروس بالتدخل العسكري المباشر في الأزمة السورية وذلك لأن الروس في ذلك الحين كانوا مترددين بمسألة التدخل العسكري المباشر في الملف السوري وفي ضوء مباحثات القائد سليماني مع بوتين تم التوصل لاتفاق بين البلدين من أجل تنفيذ مهمات عسكرية مشتركة تقوم على نمط تقسيم الوظائف بحيث يكون التواجد الروسي في الساحة الجوية والجمهورية الإسلامية الإيرانية بمرافقة الجيش السوري ومجموعات المقاومة في الساحة البرية.
وأحد الأعمال العظيمة للقائد سليماني في إدارة الملف السوري والتي يمكن وصفها على أنها ملحق بعد تكامل التحالف الاستراتيجي بين إيران و روسيا والتي هيّأت أرضية للمواجهة القصوى مع المجموعات الإرهابية واحتوائها في ساحات المعارك الميدانية، وقدرتهم على تشكيل شبكة من القوات المحلية والتي من خلالها تمكّن محور المقاومة من توفير أرضية لمواجهة المجموعات الإرهابية واستعادة السيادة لدمشق على الكثير من المساحات الجغرافية التي خسرتها سابقاً كما هو الحال الآن وبعد مرور ثمان سنوات على الأزمة السورية، لايزال بشار الأسد في السلطة وهذه القضية من الوهلة الأولى تدل على فشل العدو بتنفيذ استراتيجياته وانتصار الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو بمعنى آخر تنفيذ محور المقاومة لإستراتيجياته في سوريا وكل ذلك بفضل التكتيكات الذكية لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الفريق الشهيد الحاج قاسم سليماني.
ومن الإنجازات البارزة للقائد سليماني في الملف السوري تحرير مدينة البوكمال في محافظة دير الزور من يد عناصر داعش والخطوة التي تلت ذلك بفتح المعبر الحدودي “البوكمال-القائم”. حيث كانت إعادة فتح المعبر خطوة مهمة نحو استعادة الأمور إلى ما قبل الأزمة السورية وعودة الحركة المرورية اليومية بين العراق وسوريا وكذلك إيران. ومن الناحية الاقتصادية فإن عودة المعبر للعمل له آثار خاصة على النظام السوري وذلك لأنه في الوضع الحالي يخضع النظام السوري لعقوبات اقتصادية قاسية من قبل أمريكا مما قد يكسر الحصار الاقتصادي ويوفر أرضية من أجل تصدير المنتوجات الزراعية والغذائية السورية إلى العراق وإنعاش العلاقات التجارية والاقتصادية بين الجانبين. في الحقيقة فإن فتح المعبر في الوضع الحالي يعتبر وسيلة لتوفير التنفس الاقتصادي للنظام السوري وتشكيل مورد اقتصادي مهم للبلاد، ومن المتوقع أن يزداد تبادل البضائع والخدمات التجارية إلى أكثر من 30% بين البلدين. ووفقاً للإحصاءات بلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وسوريا في عام 2011م وقبل بدأ الأزمة السورية إلى أكثر من 2 مليار دولار وكانت نسبة الصادرات السورية إلى العراق ما يقارب 46% من صادرات سوريا إلى الدول العربية بما في ذلك عام 2012م وفي ظل الظروف الحالية وبالنظر إلى القدرة الإستيعابية وإمكانات المعبر في تسهيل التبادل التجاري بين البلدين وخاصة في مجال الاستيراد والتصدير فمن المتوقع إمكانية زيادة مستوى التبادل الاقتصادي بين البلدين وبالتالي تحسن في قيمة الليرة السورية.
وكما أن إعادة فتح هذا المعبر لن تؤدي إلى زيادة التبادل التجاري بين العراق وسوريا فحسب بل ستوفر أيضاً أرضية لتحسين العلاقات الاقتصادية بين إيران وسوريا، ووفقاً لرئيس اللجنة الاقتصادية المشتركة الإيرانية السورية، فإن فتح معبر البوكمال سوف يقلل من كلفة نقل البضائع إلى النصف حيث تبلغ التكلفة الآن ما يقارب 1500 إلى 2000 دولار للحاوية الواحدة بينما كنّا سابقاً نشحن البضائع الإيرانية بحراً من ميناء بندر عباس بالبواخر إلى ميناء مرسين التركي ومن ثم عن طريق البحر إلى سوريا وكانت تكلفة هذه الطريقة للحاوية الواحدة ما يقارب 4500 إلى 5000 دولار. وبالإضافة إلى ذلك من الناحية الزمنية كان يستغرق إرسال البضائع الإيرانية إلى سوريا ما يقارب 20 إلى 40 يوم ولكن في ظل الظروف الحالية فإن هذه المدة ستكون أقل من النصف. وكما أن إعادة فتح المعبر سوف يوفر أرضية لإزدهار السياحة وزيادة في الرحلات الدينية وكذلك علاج المواطنين العراقيين في سوريا وخاصة أن سوريا تعتبر في مستوى مرغوب فيه من حيث تقديم الخدمات الطبية أكثر من العراق. بصرف النظر عن كل هذا، إن عودة هذا المعبر للعمل له دور حيوي في إمداد سوريا بالوقود والمنتجات النفطية وذلك كون أغلب الاحتياطات النفطية للنظام السوري خارج سيطرة النظام الحاكم وتستخدم أمريكا هذه القضية في الضغط على النظام الحاكم. وعلى هذا الأساس فإن إعادة فتح هذا المعبر له دور خاص في إزالة نقص المنتجات النفطية في سوريا وبالإضافة إلى خفض أسعار الوقود في سوريا.
إن دور القائد سليماني في إعادة فتح هذا المعبر وتسوية شروطه غير معروف لأحد بحيث أنه بعد تحرير البوكمال ومن خلال بدأ إحدى الاستراتيجيات الرئيسية لقوات المقاومة بذكاء في إعادة فتح هذا المعبر وتسوية شروطه والحركة المرورية اليومية بين العراق وسوريا في هذا المعبر كله تم بفضل ذكائه.
إن إنجازات وروائع القائد سليماني في الملف السوري هائلة لدرجة أن القلم لا يستطيع عدّها أو تسجيلها ولكن أهم هذه الإنجازات والتي يمكن وصفها على أنها جزء من إرثه في سوريا هي كالتالي:
1. الدقة في الهدف الاستراتيجي في الحفاظ والبقاء على النظام السوري وشخص بشار الأسد.
2. تشكيل تحالف استراتيجي وشراكة بين إيران وروسيا في المجال الأمني العسكري.
3. تشكيل شبكة من القوات المحلية والصديقة (زينبيون، فاطميون، حيدريون، الدفاع الوطني).
4. كبح الإرهاب.
5. تضييق الخناق الأمني والجيوسياسي على الكيان الصهيوني.
6. إعادة فتح المعبر الاستراتيجي البوكمال-القائم.
مُذكّرة: مهدي
تعليق