حرصاً على توفرها في السوق.. وزارة الصحة ترفع أسعار الأدوية بنسبة 50%
في الوقت الذي ينشغل فيه المواطنون بتفاصيل الحياة اليومية الثقيلة، من تأمين الخبز والمازوت والطعام لأطفالهم، كانت نشرة أسعار جديدة للأدوية تتسلل بصمت إلى الصيدليات، فبعد استفحال أزمة الدواء، خرجت وزارة الصحة الثلاثاء لتعلن الزيادة الثانية لأسعار الدواء خلال أقل من شهرين، مضاعفة من معاناة السوريين، لا سيما محدودي الدخل، والذين يعانون أمراضاً مزمنة وبات سعر أدويتهم أضعاف رواتبهم، الأمر الذي يزيد بؤسهم وانعدام خياراتهم المرّة في أساسها.
حيث أعلنت الوزارة “رفع أسعار كل أنواع الزمر الدوائية بنسبة 50 بالمئة”، مشيرة إلى أن “التعديل جاء بناءً على ارتفاع سعر الصرف وفق نشرة المركزي الصادرة بتاريخ الثاني من الشهر الجاري، إضافة إلى ارتفاع تكاليف حوامل الطاقة وحرصاً منها على استمرار توافر الأدوية في السوق.”
أحد المرضى الذي يعاني مرضا مزمنا قال: كلفة علبة دوائي قبل زيادة الأسعار، كانت بحدود 8 آلاف ل.س، والعلبة الواحدة تحوي 10 كبسولات، أي بالشهر الواحد أحتاج إلى 3 علب وهو يعادل قرابة 25 ألف ل.س، بالإضافة لحاجتي إلى إبرة الفيتامين التي تعطى كل 3 أيام، والابرة الواحدة تكلفتها 6 آلاف ل.س، أي 60 ألف ل.س شهرياً، ليصبح المبلغ الإجمالي لأدويتي شهرياً حوالي 85 ألف ل.س، مضيفاً أنه وبعد رفع الأسعار اليوم، سيصبح راتبي غير كافياً لشراء أدويتي.
فيما قال أحد مرضى السكري: إن الدواء المقدم مجاناً من المستوصفات لم يعد مفيداً كعلاج لهم، وبعض المرضى يحصلون على أدوية السكر المهربة من الصيدليات، لأنها ذات تركيبة فعالة أكثر من الدواء المعطى من وزارة الصحة، وتصل تكلفة هذه الأدوية إلى قرابة 200 ألف ل.س على المريض قبل رفع السعر، واليوم باتت كلفته تتجاوز300 ألف ليرة.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه أية نسبة رفع منهكة للجميع، لم يلبث رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية الدكتور “نبيل القصير”، أن يعيد نفس المنوال فور صدور نشرة الأسعار الجديدة، مؤكداً أن “نسبة 50%، ليست كافية وكان يجب أن تكون الزيادة أكثر من ذلك لإغلاق الفجوة الموجودة”، مضيفاً” أنه “مازال هناك نسبة خسارة لبعض المستحضرات التي تحوي على تركيز المادة الفعالة بنسبة عالية والذي يشكل نحو 60-65% من سعر الدولار المستحضر.”
وأكد “القصير” لإذاعة “ميلودي اف ام”، أن من شأن تعديل الأسعار أن “يعطي دعماً للسوق الدوائي ولعجلة الإنتاج وأن تخرج الصناعة الدوائية من غرفة الإنعاش”، لافتاً إلى أنه “تم التواصل مع وزارة الصحة مسبقاً بوضع مؤشر عند تذبذب سعر الصرف بأن ينعكس على الدواء بشكل خفيف كيلا يؤثر مستقبلاً على نقص التوريد”، قائلاً: نأمل بالتعاون لتطبيق هذا الإجراء، “ما معناه: ترقبوا ارتفاعات قريبة”؟.
بدوره أمين السر السابق لنقابة صيادلة دمشق الدكتور “طلال العجلاني”، لم يقدّم أي جديد، حيث أشار بأن “السبب الأساسي لنقص الأدوية في سورية هو الحصار والعقوبات وصعوبة تأمين المواد الأولية والآلات، بالإضافة إلى تغيرات الأسعار وعدم تأمين القطع الأجنبي من المصرف المركزي للمعامل والمستودعات”.
وأكد “العجلاني” لموقع “سينسيريا” أن الأدوية التي تصنع محلياً من مواد أولية مستوردة ما تزال أرخص من مثيلاتها في دول الجوار”، لافتاً إلى أنه “مع صدور النشرة السعرية فإن الأدوية ستتوفر، والحديث عن انقطاع بعض أصناف الأدوية غير دقيق، وأي دواء يمكن أن يفقد سيتوفر له البديل”.
الجدير ذكره أنه ومنذ عام 2020، اعتمدت وزارة الصحة تسعير الأدوية وفقًا لسعر صرف الدولار، وذلك بناء على قرار صادر عن مصرف سورية المركزي في آذار 2020، يقضي بتوحيد سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الليرة السورية في جميع تعاملات القطع الأجنبي والحوالات بمختلف أنواعها.
وكانت وزارة الصحة، رفعت أسعار الدواء ثلاث مرات خلال العام 2022 بنسب كبيرة، آخرها في 14 كانون الأول الفائت، كما رفعتها عام 2021، مرتين تحت ضغط شكاوى أصحاب المعامل والتلويح بخيار الإغلاق تفادياً للخسائر المالية، وبحجة تأمين المادة وعدم انقطاعها، إضافة إلى مبرر الكلفة العالية لتصنيعها وأقوالها الفريدة بأن ارتفاع أسعار الدواء أفضل بكثير من فقدانها، دون النظر بعين الاعتبار لدخل المواطن السوري الذي بات لا يغني ولا يثمر.
وما يجب التركيز عليه أيضا، أنه وعلى ما يبدو فإن أصحاب معامل الدواء استغلوا تجاوب الحكومة معهم على الدوام، وركبوا موجة قطع الدواء المتعمّد في الأسواق لطلب المزيد من المكتسبات، وهذا ما يفسّر عودة ذات المشهد كل فترة قصيرة، الأمر الذي يثير التساؤل الأكبر: متى تنتهي حلقات رفع أسعار الدواء لعشرات أضعاف الراتب؟!..
يذكر أن كل تلك الأزمات التي تعيشها البلاد على اختلافها، جاءت نتيجة الآثار السلبية الناتجة عن العقوبات الاقتصادية “لمدعي الحرية وحقوق الإنسان”، الذين تسببوا في تجويع الشعب السوري وحوّلوا البلاد من دولة مكتفية محلياً بكافة السلع والمواد، ومصدّرة للعديد من الأصناف، إلى بلد يستورد حتى أدوية مضادات الالتهاب.
اقرأ أيضا”: توقف 15معمل أدوية عن العمل.. الصناعة الدوائية تدقّ ناقوس الخطر
تعليق