رأي: الدواعش الناطقين بالفارسية
كون منفذ الجريمة التي استهدفت مرقد شاه شراغ عليه السلام طاجيكياً، يعيد إحياء سؤال مهم وقديم نسبياً. والسؤال مثلاً ما هو وضع داعش بين الناطقين بالفارسية وهل هذا الوضع آخذ في التدهور بالنظر إلى ضعف وتراجع داعش اليوم مقارنة بسنوات ذروتها عام 2015 و 2016؟
يجب القول أن مجال الناطقين بالفارسية لا يمكن اعتباره المجال الرئيسي والمفضل لداعش للدعاية الجادة خلال السنوات الماضية، خاصة خلال فترة ذروة داعش، وفي الواقع، على الرغم من بعض خطوات الدعاية التي اتخذها داعش بالفارسية، وعلى سبيل المثال، من خلال مؤسسة نهاوند غير الرسمية وحتى نشر مجلة بهذا العنوان وكذلك ترجمة بعض أعداد مجلة دابق للفارسية أو الترجمة الفارسية لبعض أفلام داعش خلال سنوات الذروة لداعش وبالطبع إنتاج فيلم فارسي مستقل بعنوان “بلاد فارس بين الأمس واليوم” في جمادى الثاني 1438 (شباط \ فبراير 2017) ضمن إطار المركز الإعلامي لولاية ديالى وظهور واحد أو اثنين من الناطقين بالفارسية في دعاية داعش، خاصة ضمن إطار المركز الإعلامي لولاية الجزيرة (تلعفر) وبالتحديد ظهور طبيب تركماني إيراني يدعى بهاء الدين محمديان من غنبد كاووس حيث يتحدث بالفارسية ضمن مقطع فيديو وقبل تحدثه ضد سيادة إيران، يتحدث ضد الحكومة السعودية، أو الظهور للفتى قتادة الفارسي وهو يقطع رأس ضحية ضمن فيديو يسمى “أقضوا مضاجعهم” في شوال 1438 ويهدد الشيعة بالفارسية، ومما لا شك فيه أن هذا النشاط الإعلاني باللغة الفارسية كان أضعف بكثير مما هو عليه في المناطق الأخرى من حيث اللغة، مثل اللغة الكردية باللهجتين، السورانية والكرمانجية، أو اللغة التركية، وحتى اللغات الأوروبية مثل الفرنسية والروسية والألمانية وإلى ما هنالك.
ربما كانت إحدى علامات تدني أهمية اللغة الفارسية في دعاية داعش أن المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لداعش لم تنتج أبداً أناشيد باللغة الفارسية، في حين أن هذه المؤسسات قد أنتجت أناشيد باللغة الصينية، وغياب اللغة الفارسية بين اللغات التي ترجمت إليها مجلة رومية، البديلة لدابق، هو علامة أخرى على ذلك. طبعاً لا يجب أن ننسى أن تنظيم داعش أنشأ إذاعة فارسية تسمى راديو الخلافة في المناطق الواقعة تحت نفوذه في أفغانستان والتي لم تدم طويلاً.
وظهور بعض المتحدثين باللغة الفارسية في دعاية ولاية الجزيرة، والتي تضمنت معظم عناصر داعش الناطقين باللغة التركية من مختلف المناطق الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى وتركيا نفسها، يشير إلى أن العنصر الفارسي في داعش عاش في ظل العنصر التركي في منطقة تلعفر شمال الموصل، الناطقة بالتركية.
وفي خضم ذلك، ظهور إيراني مطرود من جامعة الإمام الصادق (عليه السلام) الملقب بهارون مونس واسمه الحقيقي محمد حسن منطقي بروجردي، والذي يعاني من مرض عقلي، كأحد الذئاب المنفردة الأولى لداعش في أستراليا والذي قُتل في عملية احتجاز الرهائن بأستراليا في كانون الأول \ ديسمبر 2014، كانت مثالاً استثنائياً وملفتاً للنظر.
بطبيعة الحال، فإن انضمام غلمراد، قائد الحرس الوطني الطاجيكي، إلى تنظيم داعش ووصوله إلى ديوان الجند في داعش، هو أمر مهم آخر مهم للغاية في منطقة داعش الناطقة بالفارسية. ولكن من ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أن عناصر داعش الذين نفذوا عمليات في إيران كانوا في الغالب من غير الناطقين بالفارسية ولغتهم الأم كانت إما العربية أو الكردية.
وبالنظر لما قيل وبمقارنة وسائل إعلام داعش في المنطقة الناطقة بالفارسية بالمناطق الناطق بلغات أخرى، يمكن القول إن داعش لم يكن له أولوية في الدعاية بالفارسية خلال فترة ذروته، وكانت الدعاية باللغات العربية والكردية والتركية لها الأولوية بالنسبة للغات الإقليمية لداعش، وبالطبع، يبدو أن السياسة الإعلانية هذه كانت متسقة مع سياسة التجنيد التي يتبعها داعش.
ويبدو أن تنظيم داعش، في فترة تدهوره ولأسباب مختلفة، حاول أكثر من قبل اجتذاب قوات من العناصر الناطقة بالفارسية. وفي المقام الأول، يعود هذا الموضوع إلى سياسة فترة تراجع وتدهور تنظيم داعش في التجنيد من الجماعات التي لم بلتفت لها كثيراً خلال فترة الذروة.
وفي الواقع، دخل تنظيم داعش اليوم وفي فترة التدهور إلى مجالات جديدة لم يدخلها في فترة الذروة. القارة السمراء وتحديداً النشاط في شمال شرق الكونغو وشمال شرق موزمبيق هو مثال على هذا النوع.
وفي خضم ذلك، ومع اكتساب السلطة في ولاية خراسان والنشاط المستقل نسبياً لهذا الفرع، اتخذ تجنيد القوات من بين الناطقين بالفارسية أبعاداً جديدة. ربما كانت سياسات إمامعلي رحمان المعادية للإسلام في طاجيكستان وتشكيل جو رجعي تجاه هذه النظرة الرسمية المعادية للإسلام، أرضية جيدة جداً لجذب الشباب الطاجيكيين الناطقين بالفارسية إلى داعش، الشباب الذين يمكن أن ينضموا إلى داعش تحت تأثير بعض الدعاة الأفغان الطاجيك المقربين من داعش مثل عبد الظاهر داعي ونعمت الله توحيدي وعبيد الله متوكل وأبو مصطفى درويش زاده وخطباء طالبان المقربين من التيار السلفي مثل أحمد ظاهر إسلميار وأستاد ياسر، ولهذا نرى أن بعض أهم العمليات الانتحارية في أفغانستان نفذها الطاجيك، خاصة بعد سيطرة طالبان على السلطة.
وفي غضون ذلك، يُعتبر ظهور مؤسسة العزائم للإعلام كمؤسسة غير رسمية لداعش، ولكن ليس في ظل الرؤية المركزية للديوان المركزي لإعلام داعش، علامة مهمة، على الرغم من أن مؤسسة العزائم تُقدم معظم إنتاجاتها باللغة البشتوية وبالطبع بمختلف اللغات في منطقة آسيا الوسطى، فلديها نظرة خاصة نسبياً على اللغتين الفارسية والطاجيكية ولا يقتصر الأمر على إنتاجها باللغتين الفارسية والطاجيكية، بل تقوم أيضاً بترجمة ونشر الإنتاجات الإعلامية الرسمية لداعش إلى النصوص الفارسية والطاجيكية السيريلية.
وبالنظر لما ذكر، يبدو أنه بالنظر إلى خلفية رد الفعل الذي حدث في طاجيكستان، ربما سنسمع خلال الأيام المقبلة عن المزيد من انضمام الطاجيك إلى داعش، قضية ستكون أكثر خطورة على المنطقة الجغرافية للناطقين بالفارسية، من أي شخص وفي أي مكان.
تعليق