العلاقات بين أمريكا وطاجيكستان؛ التسلل الأمريكي في آسيا الوسطى
دخلت العلاقات بين الولايات المتحدة وطاجيكستان مستوى أعلى من التعاون العسكري والأمني بعد تغيير الحكومة في أفغانستان والاضطرابات الأخيرة في دول آسيا الوسطى. حيث تنوي أمريكا إنشاء قاعدة جديدة في آسيا الوسطى من خلال زيادة المساعدة العسكرية والأمنية لحكومة امامعلي رحمان والنفوذ الثقافي في المجتمع الطاجيكي.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بدأت العلاقات الدبلوماسية بين طاجيكستان والولايات المتحدة في 14 شباط \ فبراير 1992 بافتتاح السفارة الأمريكية في دوشنبه. والآن السفير فوق العادة والمفوض لأمريكا في طاجيكستان، مانويل بي.ميكالر جونيور حل مكان السفير الأمريكي السابق، جون مارك بومرشايم، منذ 15 آذار \ مارس 2019. كما وبدأت سفارة طاجيكستان في واشنطن العمل في عام 2002 وسفير هذا البلد في أمريكا هو “فرخ حمرالي زاده”.
وعلى مدى عقدين من الزمن، استندت العلاقات السياسية إلى التعاون في مكافحة الإرهاب، ومنع الاتجار بالمخدرات، والاتفاقيات التجارية والاقتصادية وما إلى ذلك، ولكن هذه العلاقات اتخذت جانباً عسكرياً وأمنياً خلال الأشهر الأخيرة، وأصبح لأمريكا وجود أقوى في طاجيكستان. ويمكن البحث عن جذور ذلك في التطورات التي حدثت العام الماضي في منطقة آسيا الوسطى والعالم. انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وصعود حركة طالبان، والحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتوسيع العلاقات بين الصين وإيران مع دول آسيا الوسطى.. إلخ، هي من بين الأسباب التي أجبرت الولايات المتحدة على بذل جهود أكبر لزيادة نفوذها في طاجيكستان. وفي هذا الصدد، جلبت الولايات المتحدة مستشاريها وممثليها السياسيين والعسكريين والثقافيين إلى الميدان ووضعت برامج مكثفة على جدول أعمال طاجيكستان. حيث يمكن تصنيف البرامج الأمريكية الرئيسية في طاجيكستان على النحو التالي:
1- سياسي وعسكري:
خلال العام الماضي، تضاعف عدد رحلات واجتماعات “توماس ويست”، الممثل الأمريكي الخاص لأفغانستان، “دونالد لو”، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية، والجنرال “مايكل كوريل” قائد الأركان المركزية للقوات المسلحة الأمريكية، مع المسؤولين الطاجيك. وبحسب تصريحات المسؤولين الأمريكيين، فقد تركزت هذه اللقاءات حول القضايا الأمنية لآسيا الوسطى، وخاصة أفغانستان، وتعزيز وبناء نقاط حدودية في طاجيكستان، واحتجاجات إقليم بدخشان المتمتع بالحكم الذاتي. وبالإضافة إلى هذه القضايا، تم النظر في قضايا مهمة مثل تسليم الأسلحة المنقولة من أفغانستان إلى الجيش الطاجيكي، واستخدام أمريكا لقواعد الحدود الطاجيكية بالمجالين الاستخباراتي والأمني، والهجرة إلى أمريكا، وقضايا التدريب العسكري، وما إلى ذلك.
وفي مقابلة مع راديو آزادي طاجيكستان، تحدث دونالد لو حول مسألة بناء النقاط الحدودية: “نحن ننتظر استكمال المشروع الجديد لبناء نقطة حدودية في منطقة تشالديفار. وبالطبع فيما يخص موضوع نقاط التفتيش الحدودية أنجزت أمريكا مشاريع أخرى، ولكن مشروع تشالديفار كان أكبر مشروع، ومن بين المشاريع الأخرى تسليم ونقل منشآت ومعدات عسكرية لقوات حرس الحدود الطاجيكية.” وتجدر الإشارة إلى أن هذه القاعدة تقع في منطقة تشالديفار الواقعة جنوب مدينة إيفاج الحدودية، حيث عهدت الحكومة الطاجيكية بعمليات إعادة الإعمار والتطوير لشركات عسكرية أمريكية بتمويل من إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية في عام 2020.
ووفقاً للجنرال كوريلا، منذ بداية العلاقات السياسية مع طاجيكستان، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 330 مليون دولار كمساعدات مالية لطاجيكستان في مجال الأمن حتى الآن، منها توفير طائرات مسيرة من طراز RQ-20 Puma (صناعة الولايات المتحدة) بقيمة 20 مليون دولار والتي كانت الجزء الأكبر من هذه المساعدات.
ومن القضايا الأخرى التي تم تسليط الضوء عليها في مجال التعاون العسكري بين البلدين، المقاتلات والمروحيات التابعة للجيش الأفغاني التي التجأت إلى طاجيكستان إبان سقوط الحكومة الأفغانية السابقة. ووعد المسؤولون الأمريكيون في اجتماعاتهم مع المسؤولين الطاجيك بتسليم هذه الطائرات للجيش الطاجيكي، ولكنهم في المقابل طالبوا طاجيكستان بمطالب لم تتضح تفاصيلها.
2- ثقافي:
تمكنت المنظمات غير الحكومية الأمريكية من خلق وضع اجتماعي خاص بين الشعب الطاجيكي شمن إطار المساعدات الإنسانية ومن خلال أساليب استخبارات المعلومات البشرية (HUMINT). ومن خلال منح تأشيرات الهجرة إلى أمريكا، والمساعدات المالية، وعقد البرامج التعليمية والفنية، وما إلى ذلك، بالإضافة إلى جذب النخب العلمية وتحديد هويتها، حددت هذه المنظمات اللاجئين الأفغان والعملاء المرتبطين بروسيا ووسعت شبكة المعلومات الخاصة بها.
وعلى عكس طاجيكستان، لم تتغير علاقات قرغيزستان وأوزبكستان مع الولايات المتحدة كثيراً بعد سقوط الحكومة الأفغانية. ولا تزال قيرغيزستان غير راضية عن الانسحاب العسكري الأمريكي من قاعدة ماناس الجوية في عام 2014، وبسبب الدعم الأمريكي السري لاحتجاجات قيرغيزستان، لم تكن ترحب كثيراً بالأمريكيين في القضايا العسكرية والأمنية. لدرجة أنه لم يأت أي مسؤول قيرغيزي للقاء الجنرال كوريلا خلال زيارته الأخيرة إلى قاعدة ماناس! وعلى الرغم من تلقيها مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة، فقد أعلنت أوزبكستان سياسة الحياد وأعلنت أنها لا تسمح ببناء قاعدة عسكرية ونشر القوات الأجنبية على أراضيها.
بشكل عام، تمكن الأمريكيون من خلق موقع جديد ومناسب لأنفسهم من خلال إقامة علاقات ودّية مع مسؤولي حكومة امامعلي رحمان ودراسة احتياجات الشعب الطاجيكي بعمق. وعلى الرغم من حقيقة أن أمريكا لم تنجح بعد في إنشاء قاعدة عسكرية في طاجيكستان، ولكن شبكة استخباراتها السياسية توسّعت في طاجيكستان، وهذا يعني أنهم نجحوا في اختراق طاجيكستان دون توعية الشريك الرئيسي لطاجيكستان، أي روسيا. وطاجيكستان لديها أكثر من 1400 كيلومتر من الحدود المشتركة مع أفغانستان ولديها العديد من أوجه التشابه مع هذا البلد من حيث التكوين العرقي والديني. لذلك، من أجل الاستمرار في السيطرة والقيام بدور في التطورات في أفغانستان وآسيا الوسطى، تحتاج الولايات المتحدة أولاً إلى طاجيكستان وثانياً إلى أوزبكستان وقيرغيزستان وباكستان وتركمانستان.
اقرأ المزيد:
دراسة تداعيات الصراع بين القوى الشرقية والغربية في آسيا الوسطى
طاجيكستان ساحة المنافسة الجديدة بين روسيا وأمريكا
تعليق