ثلاث سنوات وأزمة مياه الشرب في الحسكة دون حل
تستمر معاناة أهالي مدينة الحسكة والأحياء المحيطة بها في تأمين مياه الشرب للسنة الثالثة على التوالي نتيجة أسباب عدة أهمها وقوع مشروع المياه الوحيد الذي يغذيها بالمياه في مناطق سيطرة الاحتلال التركي ومرتزقته في ريف مدينة رأس العين وتعمده من فترة لأخرى إلى إيقاف تشغيل محطة مياه علوك أو التعدي على الخطوط الكهربائية المغذية لها.
أصل الحكاية
تعد مدينة الحسكة من المدن الفقيرة بالمياه الجوفية الصالحة للاستهلاك البشري حيث تتميز هذه المياه بكونها كلسية وفيها نسب عالية من الأملاح والمعادن الثقيلة والشوائب التي تجعلها غير صالحة للاستهلاك البشري، ما أدى إلى توسع الحكومة السورية خلال فترة التسعينيات في إقامة السدود المحيطة بالمدينة والتي خصص جزء منها لتأمين مياه الشرب كسد الحسكة الشرقي بعد معالجة مياهه.
إلا أنه وبعد جفاف نهر الخابور والذي كان يغذي هذه السدود عملت الحكومة السورية على إقامة مشروع مياه في منطقة علوك بريف مدينة رأس العين المحاذية للحدود التركية حيث تم حفر 30 بئراً بأعماق كبيرة لتأمين كميات كافية من المياه الصالحة للشرب لأهالي الريف الغربي ولمدينة الحسكة ومحيطها.
الاحتلال التركي وسياسة التعطيش
طيلة سنوات ما قبل دخول الاحتلال التركي ومرتزقته إلى مدينة رأس العين وريفها عام 2019 وسيطرته على محطة مياه علوك كانت مدينة الحسكة تؤمن المياه بشكل مستمر من المحطة وبالكميات الكافية التي تغطي حاجة الأهالي.
إلا أن الاحتلال ومرتزقته وضمن سياسة التضييق على الأهالي يعمد من فترة لأخرى على إيقاف تشغيل المحطة أو سرقة تجهيزاتها أو التعدي على الخطوط الكهربائية المغذية لها بهدف إقامة المشاريع الزراعية التي تعمل على الطاقة الكهربائية ما يحرم الأهالي من مصدر المياه الوحيد ويعرض حياتهم للخطر.
المنظمات الإنسانية تتدخل
وأمام كارثة انقطاع المياه وعدم توفرها تدخلت الكثير من المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني لاسيما اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي قامت بالتعاون مع الهلال الأحمر العربي السوري بنشر خزانات كبيرة سعة 25 برميلاً في مختلف حارات وحدائق أحياء المدينة لتأمين كميات قليلة من مياه الشرب والتي يتم تأمينها من الآبار المحيطة بمدينة الحسكة.
كما قامت بعض المنظمات الأخرى بحفر مجموعة آبار مياه سطحية لتأمين مياه الغسيل للأهالي كون المياه المنتجة منها غير صالحة للشرب.
أزمة بلا حلول
المؤسسة العامة للمياه في محافظة الحسكة تقف عاجزة أمام مشكلة ترى حلها خارج إرادتها ففي الوقت الذي تعالت فيه الأصوات لضرورة تنفيذ مشروع مائي بديل عن مشروع علوك.
إما بحفر آبار مياه جديدة أو استغلال مياه السدود المحيطة بالحسكة كون المشروع مسيطر عليه من قبل احتلال لا يرحم إلا أن أجوبة المؤسسة كانت توضح بأن مياه سد الشهيد باسل غير صالحة للاستهلاك كون معدل المعادن الثقيلة فيها مرتفع لقرب السد من حقول النفط.
ووجود تسريب نفطي فيه من حين لآخر كما أن المشاريع المائية المحيطة بالمدينة ذات مخزون مياه جوفية محدود وغير قادرة على تأمين كميات كافية من المياه تغطي حاجة ما يقارب 650 ألف نسمة.
مؤسسة المياه وكحل إسعافي عملت على تركيب محطات تحلية للمياه في عدد من حدائق المدينة ولكنه حل يراه المواطنون ذراً للرماد في العيون إذا أن جميع محطات التحلية البالغ عددها 20 محطة والتي لا تزال في طور التجربة والتشغيل إذا ما تم تشغيلها مجتمعة لا تنتج سوى 2000 متر مكعب من المياه يومياً.
وهي كميات ضئيلة وغير كافية مقارنة بإنتاج مشروع علوك الذي يقدر بنحو 70 ألف متر مكعب يتم تخصيصه كل يوم لعدد من الأحياء في المدينة.
واقع محطة علوك حالياً
يوضح مدير مؤسسة المياه المهندس “محمود العكلة” أن محطة علوك تتعرض حالياً لتعديات كبيرة من قبل مرتزقة الاحتلال التركي سواء تعديات كهربائية على الخط المغذي للمشروع وسرقة الكهرباء بهدف تشغيل المشاريع الزراعية في ريف رأس العين أو التعدي على خطوط نقل المياه في المنطقة الممتدة بين منطقة علوك وريف تل تمر الشمالي بهدف سقاية المزروعات ما أدى إلى تراجع كميات المياه الواصلة إلى مدينة الحسكة وزيادة أيام التقنين في مدينة الحسكة ولمدة قد تصل إلى 10 أيام أو أكثر.
هيئة المياه فيما يسمى بالإدارة الذاتية ومشاريعها الفاشلة
ومع تفاقم أزمة المياه في مدينة الحسكة منذ عدة أعوام أعلنت هيئة المياه فيما يسمى بـ “الإدارة الذاتية” التابعة لمليشيا قسد التي تسيطر على غالبية أرجاء المحافظة عن إقامة عدة مشاريع مياه بديلة عن مشروع علوك.
المشروع الأول أعلن عنه منذ ثلاث سنوات ورصد له مبالغ مالية طائلة بهدف حفر 40 بئراً وتحلية المياه التي تنتجها في منطقة الحمة غرب مدينة الحسكة إلا أن المشروع لم ير النور لحينه ليتبين أن المشروع فشل ولم يقم على أساس دراسة جيولوجية لجدوى المخزون المائي في المنطقة.
أما المشروع الثاني فكان لجر قناة مياه من نهر الفرات إلى الحسكة والذي تتحدث بعض المصادر على رصد مئات الملايين له إلا أنه فشل كذلك نتيجة سوء التنفيذ وطول المسافة.
المواطن يدفع الثمن
وأمام سوء الواقع المائي وارتفاع درجات الحرارة الكبيرة في محافظة الحسكة يجد المواطن نفسه مضطراً لشراء المياه عبر الصهاريج الخاصة التي وجدت الفرصة سانحة لاستغلال الحاجة.
ويقول المواطن عبد الإله السلامة من أهالي حي المطار وسط المدينة أن موضوع تأمين مياه الشرب أصبح عبئاً إضافياً يرهق كاهل الأسر المرهق أساساً من الظروف المعيشية وأمام جشع أصحاب الصهاريج الخاصة وعدم وجود رقابة ومحاسبة أصبحت كمية من المياه تعادل الـ5 براميل تباع بسعر 12 ألف ليرة سورية وهي كمية لا تكفي العائلة مهما وفرت في الاستهلاك سوى أسبوع.
بعض المواطنين لجؤوا إلى حفر الآبار السطحية أمام منازلهم من أجل الاستخدامات المنزلية كونها غير صالحة للشرب بهدف توفير المياه الصالحة للشرب من هكذا استخدامات.
حيث يوضح المواطن سعيد النهاب من أهالي حي غويران أن من لديه القدرة المالية لجأ إلى هذا الخيار كحل إضافي يوفر المياه غير الصالحة للشرب ويشتري المياه الصالحة من الصهاريج موضحاً أن حفر بئر مع تركيب تجهيزاته يكلف نحو 3 ملايين ليرة سورية.
مطلب شعبي لم يحقق
جدير بالذكر أهالي المحافظة وعبر العديد من الوقفات الاحتجاجية التي نظمت في الساحات العامة والبيانات التي سلمت نسخ منها للمنظمات الدولية طالبوا بأن تتدخل الأمم المتحدة لتحييد محطة مياه علوك عن أي صراع سياسي أو عسكري وضمان استمرار عملها كونها مصدر المياه الوحيد لما يقارب المليون نسمة في مدينة الحسكة ومحيطها والريف الغربي إلا أن الدعوات لم تجد آذاناً صاغية ولا تزال المأساة مستمرة.
تعليق