الصاروخ الاعتراضي داخل الغلاف الجوي في المستقبل: التقنيات والتهديدات
كتب مركز الأبحاث الفرنسي Recherche stratégique مؤخراً مقالاً عن الحاجة إلى تطوير “صاروخ معترض داخل الغلاف الجوي” لمواجهة التهديد الناشئ لصواريخ كروز التي تفوق سرعتها سرعة الصوت مع الدفع النفاث التضاغطي والطائرات الشراعية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والصواريخ شبه الباليستية وما إلى ذلك؛ وفيما يلي، سنراجع ملخصاً للمواد المطروحة من Recherche للأبحاث.
يخضع الدفاع الصاروخي لتغييرات أساسية. حيث يُركز الدفاع الصاروخي بشكل عام على تطوير الصواريخ الاعتراضية “خارج الغلاف الجوي” منذ التسعينيات لصد التهديدات الجديدة؛ وهذه الصواريخ قادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى من مسافة بعيدة وتقلل من الآثار الجانبية لأسلحة الدمار الشامل.
واعتبرت الصواريخ الاعتراضية “داخل الغلاف الجوي” دفاعية نُقطية أو دفاعية إقليمية ضد الصواريخ الباليستية قصيرة المدى أو متوسطة المدى (أقصى مدى 1200-1500 كيلومتر) بشكل أكبر، ولكن مع تطوير الصواريخ الباليستية وظهور أسلحة تفوق سرعة الصوت (الطائرات الشراعية التي تفوق سرعة الصوت، كروز التي تفوق سرعة الصوت) ازدادت أهمية استخدام الصواريخ الاعتراضية داخل الغلاف الجوي.
ونظراً لأن أوروبا لا تزال متأخرة في تطوير المعترضات من خارج الغلاف الجوي، فقد حان الوقت الآن لتصميم منظومات داخل الغلاف الجوي.
والدول الأوروبية مثل إيران، لم تطور بعد صواريخ اعتراضية خارج الغلاف، والآن مع ظهور الأسلحة الجديدة التي ذكرناها وظهور تهديدات داخل الغلاف الجوي، لم يعد يعتبر تطوير المعترضات خارج الغلاف الجوي عملياً أولوية.
حيث إن التقدم في تكنولوجيا توجيه الصواريخ الباليستية والملاحة قد مكّن الآن الصواريخ الباليستية من تتبع جزء من مسارها في الغلاف الجوي، مما أدى إلى زيادة القدرة على المناورة والدقة. لذلك فإن زيادة المدى لا يعني التقليل من دقة الإصابة، وهذا يوفر الأرضية لتطوير صواريخ باليستية بمدى طويل ودقة عالية. والصواريخ قصيرة المدى، والمعروفة أيضاً باسم الصواريخ شبه الباليستية، هي تهديد آخر بحيث أن هذه الصواريخ تتحرك وتوجّه بالكامل داخل الغلاف الجوي.
حيث تستخدم الصين الآن الصواريخ الباليستية برأس حربي قابل للمناورة بشكل أساسي في الصواريخ التي يصل مداها إلى 3000 كيلومتر؛ ولكن الهند وباكستان وإيران وكوريا الشمالية تعمل أيضاً على تطوير هذه القدرة.
حيث تقوم إيران بتطوير رأس حربي مناور لعائلة صواريخ شهاب 3 (عماد)، وتعمل كوريا الشمالية على المناورة بصواريخ سكود. وتعمل الولايات المتحدة على تطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات، ومن المحتمل أن تكون روسيا قد أكملت الرأس الحربي المناور لصواريخها الباليستية العابرة للقارات.
الصواريخ الباليستية بالرأس الحربي المناور والصواريخ شبه الباليستية عرضة للتضرر أمام الدفاع الصاروخي وذلك لأن سرعتها تنخفض بشكل كبير في مراحل الخروج من الغلاف الجوي أو الدخول للغلاف الجوي. وتم تطوير طائرات شراعية تفوق سرعة الصوت لمعالجة نقاط الضعف هذه. وعلى الرغم من أنها تحمل بصواريخ باليستية، إلا أن دخولها إلى الغلاف الجوي هو أبكر بكثير من الصواريخ التقليدية، مما يمنع اعتراضها خارج الغلاف الجوي. ويمكن للطائرات الشراعية التي تفوق سرعة الصوت أن تطير في الطبقات العليا من الغلاف الجوي بسرعات عالية جداً ولفترات طويلة من الزمن.
تُستخدم تقنية الاحتراق بالموجات فوق الصوتية التي يصعب تطويرها في الأسلحة التي تعمل بالدوافع المحمولة جواً بسرعة تزيد عن 5 ماخ ويتم إطلاقها عموماً في نطاقات أقصر من الطائرات الشراعية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وهي أخف وأصغر من الطائرات الشراعية التي تفوق سرعة الصوت.
وتخطط الولايات المتحدة وروسيا لاستخدام صواريخ كروز ذات الاحتراق بالموجات فوق الصوتية في العقد المقبل. حيث أن صاروخ زيركان في روسيا هو أحد هذه الأسلحة.
ويجب أن يُنظر إلى استخدام الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وتلك الأسرع من الصوت (المشار إليها هنا بالأسلحة الأسرع من الصوت أي 3 ماخ وحتى 4.5) على أنها مكملة للصواريخ شبه الباليستية والقابلة للمناورة. ومن الصعب الآن تتبع واعتراض كل هذه الأسلحة. ويجب التذكير بحقيقة أن الدفاعات الصاروخية يتم تحسينها عموماً لاعتراض الباليستية أو الاعتراض قصير المدى في المرحلة النهائية.
تتبع التهديدات المستقبلية: تحديد التكنولوجيا للصواريخ المستقبلية
يتطلب اعتراض الأهداف سريعة المناورة نوعاً من الصواريخ المعترضة التي تتسم بالسرعة والقدرة على المناورة بدرجة عالية، أو اعتراضها عند نقاط الهدف حيث تنخفض القدرة على المناورة عند النقطة المستهدفة (الارتفاع فوق 30-40 كم). وأحد الحلول التي يمكن استخدامها في مثل هذا الاعتراض هو دفع الصاروخ بالوقود الصلب، ولكن بما أن الهدف هو أن تكون قادراً على بدء مرحلة القدرة على المناورة من مسافات تزيد عن 100 كيلومتر دون مسار يمكن التنبؤ به، مما يحافظ على سرعة الصاروخ المعترض بسرعات عالية ففي مثل هذه المسافات يتطلب الأمر استخدام الدفع الصاروخي متعدد المراحل.
حيث يسمح تطوير اعتراضات الدفع ذات الاحتراق الفوق صوتي بالتتبع السريع جداً لمسافات طويلة، ولكن هذا الخيار لا يزال يمثل تحديات جدّية في موضوع الدفع حيث تحد من الاعتراض ومدى التحليق. حيث أن الدفع المعتمد على الاحتراق فوق الصوتي له ارتفاع وأداء محدودين عند ارتفاع أعلى من 30 كم بسبب استنفاد الأكسجين نسبياً، ولكن يمكن التغلب على هذا القيد باستخدام المرحلة الثانية من الوقود الصلب (المرحلة الأولى الاحتراق فوق الصوتي – المرحلة الثانية من الوقود الصلب)، ولكن تكلفة مثل هذا الجمع مرتفعة بشكل كبير.
وبسبب هذه المشكلة، يعد تحسين ارتفاع التتبع إلى ارتفاع 20-30 كم أحد الخيارات. حيث يتيح استخدام الدفع النفاث التضاغطي مزيجاً من القدرة على المناورة والسرعة والمرونة إلى جانب الوزن المنخفض للصاروخ. ومعظم وقت طيران الصاروخ المعترض يحدث في جو أكثر كثافة، مما يتطلب دفعاً مستمراً، ولكن المعترض يمكنه المناورة جيداً أثناء الطيران ولديه طاقة حركية كافية للاصطدام مع الهدف. ويمكن لمحركات النفاث التضاغطي (Ramjet) المتقدمة أن تطير حتى 5 ماخ، وهي مناسبة لتتبع أهداف الموجات فوق الصوتية (3.5 ماخ وحتى 5 ماخ) وما فوق الصوتية (5 ماخ وحتى 7ماخ). وهذا الحل أكثر موثوقية من الدفع المعتمد على Scrumjet (الاحتراق بالموجات فوق الصوتية)، وهو أكثر فاعلية من محركات الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب، مما يتيح مدى تتبع يصل إلى 100 كيلومتر. ويمكن أيضاً استخدام هذه المعترضات المبنية على Ramjet في اصطياد الطائرات الشراعية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت في مدى يتراوح من 2 إلى 3 آلاف كيلومتر.
تكنولوجيا المواد
لتصميم صواريخ اعتراضية ذات دفع رامجيت المتقدم (نفاث تضاغطي)، فإن التحديات في المواد تشبه إلى حد بعيد التكنولوجيا فائقة السرعة. حيث يتطلب استخدام مكثف للمواد المركبة وذلك لتقليل وزن الهيكل لمثل صاروخ التعقب هذا. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تحل المركبات القائمة على السيراميك محل التيتانيوم، وهو مقاوم للتسخين الحركي الهوائي (Aerodynamic heating) والتآكل.
ويعد البحث عن المركبات القائمة على السيراميك أمراً مهماً أيضاً في مسألة توجيه الصواريخ. وهذه المواد بالغة الأهمية للاستخدام في النوافذ الضوئية والرادوم المقاومة لدرجات الحرارة المرتفعة.
حيث أدت الزيادة الحادة في السرعة النسبية للاعتراض (مقارنة بالماضي) إلى زيادة الحاجة إلى زيادة نطاق التوجيه النهائي للصواريخ المعترضة بحيث يتطلب وقتاً كافياً لتكييف مسار رحلة الاعتراض مع إزاحة الهدف ومناوراته.
ويتطلب زيادة مدى اكتشاف الرادار ثلاثة أضعاف إلى زيادة في قدرة الهوائي بمقدار 20 ضعفاً، الأمر الذي يتطلب بدوره تطوير جيل جديد من المجموعات الفرعية. ويعد الجمع بين مستشعرات الأشعة تحت الحمراء وأجهزة الاستشعار الكهرومغناطيسية (الرادارية) أيضاً مساراً محدداً في البحث والتطوير. وكذلك، من أجل زيادة القدرة على المناورة، قد يكون من الضروري تطوير جيل جديد من الأساليب الجديدة للتوجيه الميكانيكي، والجمع بين الأسطح الديناميكية الهوائية والأدوات المتفجرة (التقانة النارية) لتقليل زمن رد فعل التحريك الهوائي.
تعليق